حوار مع الشاعر نبيل السليماني

0 minutes, 3 seconds Read

1ـ من هو نبيل السليماني؟

نبيل السليماني إنسان قارئ بدرجة أولى، وشاعر أو بالأحرى أطمح أن لا أخذل ذلك الشاعر.

 

2ـ كيف بدأت علاقتك بالقراءة والكتابة؟

لا أزعم أن علاقتي بالكتاب بدأت في فترة مبكرة من عمري، لسبب بسيط هو أن الوسط الذي فيه ولدت وترعرعت، ليس فيه من يقرأ أو من ينصح بالقراءة. ترعرت في وسط قروي وفي عائلة كان طموحها الأكبر هو أن أكمل دراستي. والناس الذين ينتمون إلى هذا الوسط يعتقدون أن القراءة ليست إلا ملهاة تشغل الولد عن دراسته.

إذن، علاقتي الأولى بالقراءة اقتصرت على كل ما أجده بين يدي من مقررات دراسية أبحث فيها عن قصائد شعرية، وعن قصص قصيرة، كنت أقرأها وأعيد قراءتها مرات ومرات.

وحين انتقلت إلى مدينة سيدي قاسم، هناك ترسخت علاقتي بالكتاب، اكتشفت مكتبة الخزانة البلدية التي كانت وما تزال تضم كتبا قيمة، خاصة في الشعر، مثل دواوين عباس محمود العقاد، الشابي، أدونيس، ميخائيل نعيمة، بدر شاكر السياب… وهي المجاميع الشعرية التي أقبلت على قراءتها بحب قرأتها.

كانت الخزانة البلدية هي مدرستي الأولى، المدرسة التي فتحت لي باب القراءة على مصراعيه. ولم أكن أفكر وأنا أقرأ بأنني سأصير شاعرا على الرغم من أنني  وأستطيع أن أزعم ذلك، كنت محبا للشعر منذ المرحلة الابتدائية، أن تحب الشعر لا يعني أنك ستصير شاعرا طبعا.

وفي يوم ما، وأنا في طريقي إلى البيت، شعرت بما يشعر به المحموم أثناء تكون الحمى في الجسم، هناك اختلاجات في داخلي، هناك الهذيان آت، إنني أهذي بأفكار كثيرة، أفكار تكاد تطفو لكنها ترسو في مكان قريب من السطح، تجمعت ثم خرجت شيئا وكأنه قصيدة عمودية.

هكذا عثرت على نفسي ذات صباح خريفي.

 

3ـ يقال إن “الشعر طاقة إبداعية تخييلية وجمالية” ماذا يمثل الشعر لنبيل السليماني؟

كان الشعر في البداية مجرد وسيلة اكتشفتها لأصور بها كل ما يختلج في نفسي ووجداني، هكذا يكون الشعر لدى كل كاتب مبتدئ. لكن مع تقدمي في الكتابة وارتباطي الشديد بالشعر العربي والعالمي، وكذا اطلاعي على النقد الموجه إلى الشعر خاصة، أخذت نظرتي إلى الشعر تتغير وأصبح اهتمامي يتوجه إلى اللغة في المقام الأول، هذا ما قاله الشاعر الفرنسي سطيفان مالارميه (أنا أنتج لغة)؛ الشاعر يطمح دائما إلى خلق لغة جديدة مستغلا أدوات الشعر مثل الاستعارة والرمز.

 

4ـ في سياق علاقتك بالشعر، من هم الشعراء الذين تأثرت بهم خلال بداياتك الأولى؟

تأثرت على الخصوص بالمتنبي وأبي العلاء المعري من القدماء. وتأثرت، من المحدثين، بنزار قباني الذي فتنني في بداياتي، محمود درويش وأدونيس، إضافة الشاعر الفرنسي سان جون بيرس.

 

5ـ كيف تولد القصيدة عند نبيل السليماني، وهل هناك طقوس معينة قبل الولادة؟

تبدأ ولادة القصيدة قبل انكتابها على الورقة، تأتي فترة أجدني فيها متوترا دون أن أعلم سببا لهذا التوتر. بعدها أجدني أهمهم بكلمات لا أفهمها، حتى يخرج ذلك النسغ الأول، ذلك السطر الأول أو الأسطر الأولى.

أما بخصوص طقوس الولادة، فهي تتمثل عندي في الوحدة، أثناء الكتابة ينبغي أن أكون وحيدا، بعيدا عن الناس. لا أقصد بالوحدة الوجود في مكان مغلق ووحدي، بل وجودي في مكان لا يكلمني فيه أحد.

 

6ـ صدر لك مؤخرا عن منشورات “رونق” مجموعة شعرية وسمتها ب “أوراق من سفر الخروج”، حدثنا عن الصعوبات التي رافقت كتابته ونشره؟

أولا، أعتقد أنه لا توجد صعوبات تواجه الكتابة. إن الحالة التي أشعر بها قبل انكتاب القصيدة وأثناءها أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتي، إنها الألم المحبب إلي.

ثانيا، واجهتني صعوبات كثيرة في نشر هذا العمل الشعري، أذكر منها أنني رفقة مجموعة من الشباب راسلنا دار نشر لتنشر أعمالنا الأدبية مقابل مبلغ مالي، لكننا لم نجد سوى شخص أنشأ صفحة على الفيسبوك يوهم بها الباحثين عن فرصة النشر مثلنا. تم النصب علينا، هذه التجربة جعلتني أتأخر عامين في إصدار ديواني الأول.

 

7ـ يقول سيغموند فرويد: “نحن نسعى لأن نتجنب الألم من سعينا لأن نجد السعادة”. أين تكمن السعادة في قصائدك؟ وكيف تعبر عنها؟

أستطيع أن أجزم أن ليس للسعادة مثوى في قصائدي. لو كنت سعيدا لما ارتفعت مركبتي الشعرية مترا واحدا عن سطح الأرض، السعادة لا تصنع قصيدة في رأيي، وبالتالي لا تصنع شاعرا. لا نفكر في الكتابة حين نكون سعداء، بل الألم وحده هو الذي له القدرة على الصعود بنا إلى أعلى، إلى حيث الفن، إلى حيث القصيدة. حين نتألم نفكر في المستقبل، نفكر في الخلاص، القصيدة هي خلاصنا. حين نسعد لا نفكر سوى في تلك اللحظة دون سواها.

 

8ـ في نظرك أيهما أكثر تصويرا وأقوى تعبيرا؛ الشعر “الحر” أم “المقفى”؟

أعتقد أن الشعر الحر أو ما يعرف بشعر التفعيلة أقوى تعبيرا من الشعر المعروف بكونه عموديا (أي المقفى كما تقصد). لأنه الأقدر على احتواء رؤيا الشاعر. الشاعر اليوم يسعى إلى إنتاج لغة كما قال ملارميه لذلك يجد الشكل الجديد سلسا طيعا يستوعب دفقته الشعورية ويستوعب الانزياح الشعري الذي يخلق قصيدة جميلة ويستوعب روافد المعرفة التي يستعين بها.

 

9ـ من خلال تتبعنا للمشهد الأدبي، نلاحظ أن الرواية صارت ديوان العرب الآن، في مقابل ذلك خبا موقع الشعر. ما رأيك في ذلك؟ وكيف ترى حال الشعر والشعراء بالمغرب؟

لا أعتقد أن الشعر تراجع ليسلم القيادة للرواية كما يقال، لا يمكن أن نجزم بذلك ونقول هذا عصر الرواية. أولا مبيعات الرواية ليست مرتفعة؛ سوق الرواية كاسد كما أن سوق الشعر كاسد.

الناس في هذا العصر يقبلون على كل ما هو أيسر لهم، ويعرضون على الصعب. الشعر عندهم صعب، أدواته لا تتوفر لديهم، أو بالأحرى لم يكتسبوها وهذا ليس ذنبهم. ماذا سيفعل قارئ بقصيدة لا يفهمها؟ ماذا سيفعل بقصيدة لا يملك قيادها إلا بإجالة الفكر فيها؟ هذه الثقافة لم يتعلمها هذا القارئ لا في المدرسة ولا في غيرها من وسائل التعلم. هو دائم العيش في كل ما هو سهل ومسلٍّ (هذا حكم ليس يشمل الناس جميعا).    .

ثانيا لا يمكن اعتبار أن الشعر ترك أسلحته وجمع حقائبه وارتحل عن هذا العالم؛ إذا تتبعنا المشهد الأدبي على المستوى العربي نجد شعراء متميزين ما زالوا يصدرون دواوينهم إلى اليوم، مثل أدونيس ـ أحمد عبد المعطي حجازي ـ محمد بنيس ـ محمد علي الرباوي ـ حسن نجمي ـ وفاء بنموسى ـ صلاح بوسريف… إضافة إلى شعراء شباب مثل مصطفى رجوان ـ أكزناي الفريول ـ سليمان تهراست

أما عن حال شعرنا المغربي فهو دائما يتطور، لا أحد يمكن أن ينكر عليه ذلك. وخير دليل، كما أسلفت، هو وجود أصوات شعرية أصدرت أعمالها الأولى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وما تزال تسجل حضورها إلى اليوم. وقد تحولت هذه الأصوات مع التحولات الطارئة على الشعر؛ تحول الكثير منهم إلى قصيدة النثر وأجاد فيها مثل إجادته في قصيدة التفعيلة. الصور الشعرية كذلك تطورت بشكل جلي.

أضيف أن الشاعر المغربي صار أكثر ارتباطا بجمالية الشعر منه بالموضوع الذي ليس سوى وسيلة مساعدة في يده على عكس قصيدة السبعينيات، مثلا، التي كان يأتي فيها الموضوع في المقام الأول.

 

10ـ بم تعلل عزوف القارئ عن أدبنا المحلي؟ وما سبيل حل هذه المشكلة؟

أرجع سبب عزوف القارئ عن أدبنا المحلي إلى عاملين أرى لهما اليد العليا في ذلك: المؤسسات التعليمية التي لا تشجع التلاميذ على القراءة، لا أنكر أن هناك مكتبات داخل هذه المؤسسات لكنها إما فارغة على عروشها وإما أنها تتوفر فيها الكتب ولكن تبقى مغلقة في وجه التلاميذ.

 

11ـ تم الاحتفاء مؤخرا بديوانك الشعري في جلسة نقدية، ماذا يمثل لك هذا الاحتفاء، وهل ترى أنه ضروري لإشعاع تجربتك الأولى؟

في البداية أشكر إدارة الراصد الوطني للنشر والقراءة على نشر الديوان وعلى احتفائها به في جلسة نقدية. وقد مر الاحتفاء في ظروف جيدة جدا، لم أكن أتوقها صراحة. كان الحضور الكريم في قيمة الحدث، حيث أضافوا إلى الورقة النقدية التي قدمت الديوان مداخلات عديدة ناقشت العمل من مختلف جوانبه.

طبعا، أراه ضروريا لأن مثل هذه اللقاءات تنفض الغبار عن التجارب الأدبية. أعترف لك أنني سعدت بهذا الاحتفاء كثيرا، فقد قربني من قراء أتشرف باطلاعهم على تجربتي الأولى وأتشرف بشهاداتهم فيها. يمكنني أن أقول أنه لولا الاحتفاء لما حدث مثل ذاك الإشعاع.

 

12ـ في نظرك ما فائدة الجوائز الأدبية؟ وماذا تضيف للشعر والشعراء؟

إن الجوائز الأدبية اليوم تقوم بالدور الذي كان يقوم به الإعلام والنقد في السابق، وهو التعريف بالأعمال الأدبية أو إضافة إشعاع لها وللكاتب. عندما تُعلن نتائج جائزة ما يسرع القراء المهتمون إلى اقتناء الأعمال الفائزة وقراءتها ورؤية مدى أحقيتها في دخول اللائحة القصيرة. هناك فائدة كبيرة تعود على الكاتب ما كان ليحصل عليها لولا الجائزة.

نفس الأهمية التي تضفيها الجوائز إلى الأعمال الأدبية الأخرى، رواية أو نقدا، تضيفه إلى الشعر والشعراء أيضا والتي تتمثل كما ذكرت في التعريف بالديوان وبصاحبه. إن أكبر احتفاء يمكن أن يحصل عليه الشاعر هو قراءة ديوانه، وذلك ما نفتقده.

 

13ـ بعد “أوراق من سفر الخروج” هل من مشاريع أدبية؟

أجل، هناك قصائد تكتب، لكن لن أقوم بنشر ديوان في وقت قريب لأترك مسافة بينه وبين ” أوراق من سفر الخروج”.

 

14ـ كلمة أخيرة.

ـ أشكرك على هذه الالتفاتة الجميلة.

ذات صلة