حوار مع الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط

0 minutes, 2 seconds Read

أجرى الحوار: كمال العود

لو تقدمين نفسك للقارئ في كلمات مركزة، ماذا تقولين؟

مبدعة تبحث عن ذاتها عبر عوالم الإبداع المتشعبة…

أنت كاتبة متعددة الاهتمامات، متى استشعرت ملامح التجربة الإبداعية لديك؟

أعتبر ابتلائي بشغف القراءة منذ الطفولة الحافز الأساس لركوب صهوة الكتابة الإبداعية، انطلقت بخربشة سطور معدودة من أنامل طفلة لازالت تتعلم قواعد اللغة، لتتوالى الخربشات مع مرور الزمن، إلى أن صارت الكتابة فعلا يسكنني وأسكنه.

ما رأيك في الحركة الثقافية بالمغرب؟

تعاني الحركة الثقافية من مد وجزر متواصلين، تنتعش أحيانا وتتراجع أحيانا أخرى، في ظل غياب استراتيجية ثقافية واضحة ومؤسسات داعمة تخدم الثقافة، –باستثناء الوزارة الوصية- إذ تعتبر الميزانية المخصصة لها من أضعف الميزانيات المرصودة لدعم المشاريع مقارنة مع المجالات الأخرى.

لكن يصعب الحديث عن الحركة الثقافية في ظل ما تعرفه بلادنا من وضعية وبائية، أجهضت كل المشاريع الثقافية وعلقتها إلى أجل غير مسمى، وإذ ننوه ببعض المبادرات القليلة الرامية إلى إنعاش الثقافة عبر الأنشطة الإلكترونية والحضورية المقيدة، إلا أنها ظلت محصورة بين فئة محدودة من المتلقين والمتتبعين.

كيف تنظرين إلى واقع القصة بالمغرب؟ وما موقعها من الأدب؟ وهل لازال لها تأثير في القراء؟

أرى أن القصة المغربية تقاوم من أجل الحفاظ على مكتسباتها، على الرغم من المنافسة التي تمارسها الرواية عليها، وهجرة بعض أقلامها إلى أجناس أدبية أخرى، إلا أن الأوفياء المتشبثين بها لا يترددون في تعزيز المكتبة الوطنية بإبداعاتهم الجديدة، إذ تتصدر القصة الإصدارات المغربية سنويا، إلى جانب دور المهرجانات والملتقيات واللقاءات القصصية في مناقشة مستجداتها وآفاقها والتعريف بكتّابها، دون أن ننسى أهمية الجوائز الأدبية التي لا تتوقف عن اكتشاف أسماء متفردة قادمة بقوة إلى المشهد الثقافي. ومهما طالها التهميش ورياح التغيير، ستظل مكانتها محفوظة ضمن قائمة الأجناس الأدبية بفضل تجددها مع الأسماء الشابة التي تنعشها وتجعلها تقاوم.

والقصة، في اعتباري، الجنس الأكثر مقروئية نظرا لقصرها وتكثيفها، وتناولها قضايا مختلفة ذات بعد إنساني وفكري واجتماعي وسياسي و…، وذلك عبر استخدام مجموعة من الأساليب والتقنيات الحديثة وكل ما من شأنه خدمة أحداث القصة؛ كتوظيف الأجناس الأدبية الأخرى مثل الشعر، والفنون مثل السينما، والتراث الشعبي والأسطورة.

كيف تصفين علاقتك بالقصة القصيرة؟ وما الذي يثير سخطك أو إعجابك في شكل القصة بالمغرب؟

القصة عشق يسكنني منذ زمن، أميل إلى كتابتها منذ طفولتي، لأنها تتيح لي المساحة المناسبة للتعبير عن مجموعة من القضايا الشائكة التي يعرفها مجتمعي، والمواقف والمبادئ التي أؤمن بها، وما دمت أعشق الصعاب، فأنا أهوى القصة لأنها صعبة المراس، تتطلب مجهودا كبيرا لتطويعها وتشكيل عوالمها.

أما بخصوص شكل القصة، يعجبني التطور الذي طرأ عليها، وكم يبهجني أن أصادف من حين لآخر تجارب جديدة ومتفردة، ويزعجني الاستسهال الذي يمارس في حقها وتطفل البعض عليها وعلى الكتابة تحت مظلتها.

هل تختلف خصائص الكتابة عند الرجل والمرأة؟

في اعتقادي ليست هناك خصائص تميز كتابة الرجل عن المرأة، فكثيرا ما اطلعت على أعمال تخلو من أسماء أصحابها، ولم أفرق بينهما إلا في حالات نادرة، إذ شاعت الكتابة بصوت المرأة عند الرجل والأمر نفسه عند المرأة التي تخلصت منذ زمن من الكتابة عن ذاتها، وعملت بجرأة كبيرة على النبش في موضوعات مختلفة، وفي رأيي كل واحد منهما يبذل جهده لتطوير تجربته القصصية بعيدا عن التصنيفات البيولوجية.

ما هي القضايا المهمة التي يجب على المرأة المبدعة أن تتوقف عندها؟ وهل ما تكتبه المرأة شعرا أو قصة أو رواية يعبر بالضرورة عن مكنوناتها وذاتها؟

من البدهي أن تتوقف المرأة المبدعة عند قضاياها الجوهرية، فهي الوحيدة القادرة على الكتابة عن عوالمها المتشابكة وتصوير واقعها المعيش؛ إذ طرحت عبر نصوصها –سواء الشعرية أو السردية- عدة أسئلة عميقة وشائكة وعبرت عن احتجاجها ورغبتها في الانعتاق من فضاء الأسرة الضيق والتحرر من أعراف المجتمع المتوارثة التي تقيد وجودها وتقف في وجه أحلامها. وقد تمكنت المرأة عبر كتاباتها من مخاطبة شرائح مختلفة من المجتمع، وتمكنت من الانفتاح على أجناس أدبية متعددة، وكسر الطابوهات المسكوت عنها، وتناول القضايا العميقة والخروج من دائرة الصمت.

هل للمكان والزمان تأثير على عملية الكتابة؟ وإلى أي درجة ينعكس حضورهما في تجربتك الإبداعية؟

الكتابة حالة مزاجية، قد تنتابني في فضاءات مختلفة: في الشارع، في المقهى، في القطار، في شاطئ البحر…، هي فضاءات متنوعة تسهم في صناعة المعالم الأولى لمشاريعي القصصية، قبل أن أخصص لها الوقت المناسب خلال الساعات الأولى من الصباح أو الساعات الأخيرة من الليل لأشكّلها على إيقاع الموسيقى الهادئة أو الصاخبة. وبلا شك أن الفضاءات والأزمنة نفسها تحضر في كتاباتي شئت أم أبيت، وغالبا ما يخضع الفضاء الزمن لصالحه، لارتباط بعض الفضاءات بأزمنة معينة.

صدرت لك مجموعتان قصصيتان “ماذا تحكي أيها البحر…؟” و”أتراك تشرقين غدا..؟” ما أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين؟ وما سر حضور تيمة السؤال في العنوانين؟

قد يكون هناك تشابه في بعض القضايا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والديني والفكري والأدبي، وفي بعض المواقف والرسائل، لكن بلا شك هناك اختلاف من زاوية التناول، وتوظيف التقنيات والأساليب والفضاءات والأزمنة والشخصيات المختلفة، إذ أحاول أن أضع مسافة كبيرة بين كل تجربة وأخرى.

وبالنسبة إلى تيمة السؤال، أعتبر السؤال هاجسا يسيطر على اهتماماتي الإبداعية واليومية، إذ لازلت أتعلم وأطرح الكثير من الأسئلة للارتواء من المعارف الحياتية والعلمية. ولاهتمامي الإعلامي وإجرائي للحوارات الأدبية نصيب من التأثير. ولهذا تتضمن قصص “ماذا تحكي أيها البحر…؟” و”أتراك تشرقين غدا..؟” أسئلة شائكة قد يجيب عنها القارئ أو الناقد أو الباحث المتبحر في ثنايا القصص.

حظيت قصصك باهتمام النقاد والباحثين، ما هو شعورك تجاه هذه الالتفاتة النقدية؟ وهل يمكننا اعتبارها دليلا على النجاح الكبير الذي حققته أعمالك القصصية؟

لا شك أن المواكبة النقدية تعطي حياة أخرى للنص الإبداعي، فهي تحفز الكاتب على الاستمرار في الإبداع والإنتاج، وهو يرى إبداعاته في مرآة النقد وتأويلاته المتعددة وتلقيه الذي يختلف من ناقد إلى آخر. وأشير هنا إلى أنني كنت محظوظة نوعا ما بالمواكبة النقدية التي عرفتها مجموعتي الأولى “ماذا تحكي أيها البحر…؟” من لدن ثلة من الباحثين والمبدعين والتي نشرت في الجرائد والمجلات وأنتجت حولها كتب فردية وجماعية، منها: كتاب «الأبعاد النفسية في قصص “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للقاصة فاطمة الزهراء المرابط» للباحث علي بوشنفة هلال، وكتابان جماعيان «القصة المغربية وسؤال التلقي قراءات في قصص “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط»، و«الحكي وكتابة الذات في قصص “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للقاصة فاطمة الزهراء المرابط» سنة 2020. كما حظيت المجموعة الثانية “أتراك تشرقين غدا…؟” برعاية نقدية من قِبل ثلة من المبدعين والباحثين، نشر بعضها بالعديد من المجلات والجرائد، وسيصدر حولها كتاب جماعي بعنوان «غواية الحكي ومستويات التأويل قراءات في قصص “أتراك تشرقين غدا..؟” للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط». هذا الاهتمام النقدي يحفزني على المزيد من العطاء الإبداعي.

بعد مجموعتيك القصصيتين “ماذا تحكي أيها البحر…؟” و”أتراك تشرقين غدا..؟” هل ستتجهين إلى الرواية؟

لا أعتقد أنني سأتجه يوما إلى كتابة الرواية، على الرغم من أن الفكرة تراودني من حين لآخر، لأني أسعى دائما إلى الحفاظ على حضور اسمي في المشهد الثقافي، ومن ثمة، لا يمكنني كتابة أي شيء لأدرج ضمن قائمة كُتاب الرواية.

ما هو جديد مشاريعك الأدبية؟

من عادتي ألا أفصح عن مشاريعي قبل اكتمالها، لكن يمكنني الإشارة إلى أنني أشتغل على عمل سردي سيرى النور خلال الشهور المقبلة. كما أعمل على تنسيق بعض الأعمال النقدية بمشاركة ثلة من النقاد والباحثين المغاربة.

ما الأنشطة التي يقوم بها “الراصد الوطني للنشر والقراءة”؟

يسعى “الراصد الوطني للنشر والقراءة” جاهدا منذ تأسيسه سنة 2013، إلى التحفيز على القراءة ودعم الكتاب المغربي، عبر مجموعة من المعارض والندوات والأمسيات والورشات التكوينية في القراءة والكتابة لفائدة تلامذة المؤسسات التعليمية ونزلاء المؤسسات السجنية، وكذا نشر مجموعة من الأعمال الأدبية والفكرية، والانفتاح على الأقلام الشابة والمغمورة عبر الجوائز القصصية التي ننظمها أو من خلال نشر إبداعاتهم ضمن مجلة “الصقيلة في النقد والإبداع” التي نعتبرها من بين الأنشطة الثقافية التي نعتز بها.

كيف تقيمين تجربة جائزة “رونق المغرب” في القصة؟

من المعروف أن المغرب يعاني من الخصاص في تنظيم جائزة سنوية في القصة، -مع التنويه ببعض المبادرات المتواضعة في هذا المجال- على غرار جوائز الرواية والشعر. لذلك أعتبر جائزة “رونق” منجزا يستحق الاحترام، فإصرارنا على الاستمرار في تنظيم الجائزة توج بإصدارات قصصية متعددة هي على التوالي: “مدينة الظلال” للقاص السوري منيار أحمد العيسى و”ثلاثي الظل” لعادل التكفاوي و”عودة مكيافيلي” للصديق أروهان و”اللعب مع الزمن” لمصطفى ملح و”يبكي لغروبها الصباح” لزهير اسليماني و”أنشوطة مطر” لعماد شوقي و”اليد اللطيفة” لكريم بلاد و”رقصات نورس حزين” لنوفل الصغير و”صرخة القيامة” لعبد الجليل ولد حموية، و”أسماك لا تجيد السباحة” لعبد المجيد رفيع، وهي مجاميع حظيت بجلسات نقدية وتوقيعات في مناسبات مختلفة، وعملنا على توزيعها في أهم المدن المغربية لتصل إلى كل المهتمين بالقصة. وتجدر الإشارة إلى أننا ننظم جائزة أخرى لفائدة الأقلام الناشئة (تلاميذ، طلبة) والتي نحتفي بها منذ ثلاث سنوات مع طباعة النصوص الفائزة والمنوه بها ضمن سلسلة “مشاتل”، وكلنا فخر بإسهامنا في تشجيع ثلة من المبدعين الشباب على شق طريقهم إبداعيا.

كلمة أخيرة.

أشكر الأستاذ كمال العود على هذا الحوار الأدبي…

ذات صلة