من هو حمزة الدقون؟
ابن طنجة العالية، شاب طموح، يجتهد لتحقيق جزء صغير من أحلامه الكبيرة…
الإنسان ابن بيئته، فما مدى تأثر حمزة بنشأته في مدينة طنجة؟
الجميع يعرف مكانة طنجة لدى الفنانين والمبدعين، وبحكم أنني ترعرعت ونشأت فيها، كان من البدهي أن أتأثر بموقعها الجغرافي الذي يسهم في تبادل التجارب الفنية والثقافية عربيا ودوليا، إضافة إلى الفضاءات المختلفة، والمآثر التاريخية ذات الطابع الإسلامي والمسيحي واليهودي التي تدل على تعايش الأديان والحضارات، وكذا البنايات الحديثة والقديمة، والطبيعة الخلابة، هي عوامل جعلتني أعشق عدسة الكاميرا لتوثيق كل لحظة من لحظات طنجة الساحرة.
متى بدأ اهتمامك بالفن؟ وهل تلقيت دعما وتشجيعا خلال بداياتك الأولى؟
بدأ اهتمامي بالفن عبر الأندية المسرحية والسينمائية داخل المؤسسات التعليمية، إذ كنت شغوفا بالمشاركة والوقوف على الخشبة لتقديم بعض الفقرات الفنية في الأعياد الوطنية وحفلات نهاية السنة. هذا الاهتمام دفعني إلى المشاركة سنة 2011 في مسرحية من إنتاج فرقة “نور المنار للمسرح والسينما” بطنجة، تلتها عروض مسرحية أخرى لمدة أربع سنوات، راكمت خلالها تجربة مهمة فتحت لي المجال للمشاركة في مختلف التظاهرات الفنية والثقافية محليا ووطنيا، والعمل على تجديد وتطوير تجربتي الفنية.
وفيما يخص الدعم، أعترف بفضل أسرتي التي قدمت لي كل الدعم والتشجيع الذي أحتاجه وأنا أتلمس خطواتي الأولى في عالمي الفن والثقافة، إضافة إلى دعم بعض المؤطرين المسرحيين الذين شجعوني على خوض التجربة والاستمرار فيها.
انطلاقا من اهتمامك بالتصوير الفوتوغرافي، متى تعلمت فن التصوير عبر الكاميرا؟ وهل كان ذلك اقتناعا منك، أم محض الصدفة؟
أعتبر حضوري المكثف في التظاهرات الفنية والسينمائية والمسرحية والثقافية، الدافع الرئيس لاهتمامي بعالم الصورة بمختلف أشكالها، إذ كنت أجد متعة كبيرة في توثيق هذه التظاهرات بالصور الفوتوغرافية، وهذا الشغف هو الذي دفعني إلى ولوج عالم الإخراج السينمائي.
السينما رسالة، ما رسالتك؟ ولماذا اخترت الأفلام القصيرة جدا دون غيرها؟
لطالما اعتبرت السينما كغيرها من الأجناس الفنية وسيلة للتعبير عن مجموعة من الرسائل عبر الصورة، فالسينما تلعب دورا كبيرا في التربية وتهذيب السلوك الشخصي للفرد وإيصال المعلومة والاستمتاع بها فنيا، عبر مجموعة من الأفلام الدرامية والاجتماعية والسياسية والبوليسية والثقافية التي تقدمها السينما العالمية والعربية والوطنية.
وأعتبر ظهور وسائط بديلة للسينما والسرعة التي يعرفها عصرنا، عوامل دفعتني إلى الاهتمام بالفيلم القصير، على الرغم من صعوبته تقنيا وفنيا مقارنة مع الفيلم الطويل، وما يرافق هذا الأمر من إشكالية العثور على النص المناسب الذي تتوفر فيه معايير التكثيف والاختزال والتعبير عن مجموعة من الرسائل في دقائق معدودة، إذ للفيلم القصير عشاقه ومتتبعوه من الجمهور الذي لا يملك الوقت لمشاهدة الأفلام الطويلة، وأعتبر هذا النوع الأكثر تعبيرا عن رؤيتي واهتماماتي الفنية الخاصة.
حصلت على شهادة ماستر في السينما، هل تؤمن بضرورة التكوين الأكاديمي من أجل الممارسة السينمائية؟
أعتبر مجال السينما بحرا عميقا، يحتاج باستمرار إلى المزيد من المعرفة والتبحر، لذلك فكرت في دراسة هذا التخصص من الناحية الأكاديمية، إضافة إلى اطلاعي المتواصل على كل ما ينشر حول المجال السينمائي، إيمانا مني بأن الموهبة والآليات هما القاعدة الأولى، لكن التبحر المتشعب والعميق في خبايا الصناعة السينمائية له دور كبير في صقل الموهبة وتعميق التجربة، لذلك فأنا لا أتردد في الانخراط في مختلف الورشات ذات الصلة وأيضا العمل ضمن فريق مجموعة من المخرجين المغاربة.
تعاني السينما من أزمة النص، ما تعقيبك على هذه الإشكالية؟ وهل تعاني من هذا الأمر وأنت تختار سيناريوهات أفلامك؟
أرى أن الفن بصفة عامة يعاني من أزمة حقيقة، فمثلا نجد المسرح يعاني من أزمة النص، والأغنية تعاني من أزمة الكلمة واللحن. والأمر نفسه نجده في السينما التي تعاني من أزمة السيناريو، وهذا راجع إلى غياب التكوين والاجتهاد في كتابة السيناريوهات، مما أفرز لنا مواضيع مستهلكة، وإن قدمت بطرق إبداعية متنوعة وبرؤية فنية جديدة.
بالنسبة لي، لا أعاني من هذا المشكل، إذ كنت أعثر بسهولة على السيناريوهات التي تهمني، وحاليا أقوم بكتابة سيناريو أفلامي بعدما تختمر الفكرة في ذهني، وأستغرق وقتا طويلا في تنقيحه وتطويره إلى أن يصبح جاهزا للتشخيص من طرف ثلة من الفنانين، كما أنني لا أتردد في استشارة المختصين في هذا المجال، من أجل الحصول على عمل قوي وجيد جدير بالاهتمام والمشاهدة.
للمهرجانات دور في تبادل الأفكار والانفتاح على التجارب الأخرى والتواصل الفني، حدثنا عن ذلك؟ وعن تجربتك في لجن التحكيم بعدة مهرجانات سينمائية؟
لا أخفيك أن للمهرجانات دور كبير فعال في توسيع قاعدة التواصل مع المختصين في المجال السينمائي، فمن خلال هذه الأخيرة يمكن للمبدع السينمائي أن يقدم منتوجه على الشاشة الكبيرة، وهي فرصة لتحقيق التواصل بين المبدعين وتبادل الأفكار والانفتاح على التجارب الأخرى. أعتبر المهرجانات محطة مهمة وضرورية تحفزني على الاستمرارية وتطوير تجربتي وتقديم أعمال تشبه قناعتي وأفكاري.
كما أعتز بتجربتي ضمن لجن التحكيم، باعتبارها مسؤولية كبيرة، نلت من خلالها ثقة المنظمين والسينمائيين والمسرحيين والمهتمين بهذا المجال، وقد حققت لي التجربة فرصة للاطلاع على الإبداع السينمائي والمسرحي الموجه للشباب بشكل خاص، والقدرة على النقد وإبداء الملاحظات حول الأفلام والمسرحيات المتبارية إلى جانب أسماء وازنة في الساحة الأدبية، كما ساهمت هذه التجربة في توطيد علاقتي مع ثلة من المخرجين والاستفادة من تجاربهم وخبرتهم الطويلة في هذا المجال.
أخرجت مجموعة من الأفلام منها: “دموع الورد” و”ارحيمو” و”لحلوا الحمراء” و”الرقصة الأخيرة”، هل يمكنك الحديث عن تجربتك في إخراج هذه الأعمال؟ وأيهما الأقرب إلى نفسك؟
لكل فيلم أو عمل اشتغلت عليه سواء كان من توقيعي أو من توقيع مخرجين آخرين طابعه وخصوصيته وفرادته الفنية، إذ أعتبر هذه التجارب محطة أستفيد من الهفوات التي وقعت فيها لتطوير تجربتي التي تتجدد مع كل عمل سينمائي، وتدفعني دائما إلى تقديم الأفضل والأجمل، وأستغل المناسبة لأحيي الطاقم التقني والفني الذي يساعدني دائما ويؤمن بأفكاري ويسهر على تحقيقها عبر المشاهد واللقطات السينمائية.
أما بالنسبة للفيلم الأقرب إلى نفسي، فمن الصعب الاختيار بين تجارب فنية أعتز بها، وتعكس قناعاتي وأفكاري بالصوت والصورة. وإن كان من الضروري أن أختار، سأختار فيلم “الحلوى لحمرا” الذي سعدت بإخراجه رفقة المخرج الفنان عصام بويش وكان النص من تأليفه، والذي حصد أزيد من عشرين جائزة وطنية ودولية.
حصلت على مجموعة من الجوائز عن أفلامك؟ هل أسهمت الجوائز في تطوير تجربتك الفنية؟
بالنسبة لي الفوز بجائزة ما مهما كان نوعها اعترافا بتجربتي، وشهادة في حق عملي الذي نجح في إرضاء ذوق المشاهد وحصل على ثقة لجان التحكيم، وهذه الجوائز تعني لي الكثير معنويا، وتحفزني على المزيد من العطاء، وتدفعني إلى تطوير أعمالي وتقديمها في حلة جديدة وفق رؤية فنية أحاول تطويرها مع كل فيلم سينمائي أعمل على إخراجه.
خاض حمزة الدقون تجربة التمثيل في المسرح والسينما، ما الفرق بين الأداء والإخراج في نظرك؟ وأيهما الأصعب؟
الأداء يضطرني إلى حفظ الحوار، والتمرن على الدور، والتشخيص المحكم، وتنفيذ توجيهات المخرج ورؤيته الفنية، وغيرها من التقنيات التي يحتاجها الأداء، في حين أن الإخراج يجعلني أتحكم في زمام الأمور وتوجيه جميع الفعاليات المشاركة في الفيلم وفق قناعاتي ورؤيتي الفنية الخاصة. وهنا أعتبر مهمة الإخراج أكثر صعوبة من الأداء، إذ على المخرج أن يعثر على النص المناسب لفيلمه، ومن ثم اختيار الممثل المناسب لكل دور، وتوزيع العمل بين الطاقم التقني للفيلم، برؤية وحبكة سينمائية كفيلة بإنجاح العمل، فالإخراج قبل أن يكون رؤية فنية فهو محطة تقنية لابد من الاشتغال عليها جيدا.
لمن انتصر حمزة الدقون في إبداعاته السينمائية والمسرحية؟
انتصرت لنفسي التي كانت تطمح دائما إلى الانخراط في عالم الفن والشهرة، انتصرت لذاتي من خلال الوقوف على خشبة المسرح وتنشيط العديد من الفقرات الفنية والثقافية وعرض أفلامي السينمائية. انتصرت لأسرتي التي كانت دائما تراني ذاك الطفل الشغوف بعالم الفن ويخطو بين المسارح والقاعات السينمائية.
ما هي أهم القضايا التي تتمنى أن تتناولها في أفلامك القادمة؟
تستهويني القضايا الاجتماعية والإنسانية، لذلك فأغلبية أفلامي تركز على البعد التربوي/ الاجتماعي في قالب درامي فني متطور يستهدف الفئات الشابة بشكل خاص، لإيماني بأن هذه الفئة أكثر شرائح المجتمع هشاشة، تحتاج إلى إثارة قضاياها وتحفيزها على اكتشاف خبايا المجتمع والثقافات الجديدة من خلال السينما، ولدي رغبة في الاشتغال على قضايا المرأة مستقبلا برؤية سينمائية مختلفة.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أشتغل حاليا على عمل سينمائي قصير، بالاشتراك مع المخرج الشاب حمزة المعزي، ونحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على نص السيناريو، والاستعداد لتصويره في الأشهر المقبلة.
كلمة أخيرة
أشكر الأستاذ كمال العود على هذا الحوار الرائع.