مهمة مستحيلة في مكّة: مؤمنون من دون تصاريح قانونية يختبئون لأداء مناسك الحج ويخلقون أزمة مالية للسعودية

0 minutes, 0 seconds Read

في حي العزيزية بمكة المكرمة، يختبئ محمد، المصري السبعيني، منذ أسبوعين يأكل أطعمة معلبة أتى بها من بلاده، بانتظار أداء فريضة الحج هذا الشهر بدون تصريح قانوني. السلطات السعودية قررت هذا العام مكافحتها لهذه الممارسة الشائعة.

صورة لإعلان في الشارع كتب عليه “لا حج بلا تصريح” تبرز في الرياض في 3 يونيو 2024، قبل أيام من موسم الحج الذي يحلّ في منتصف الشهر الجاري. تتيح المملكة أداء الحج حصراً للسكان ممن لديهم تصاريح والأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصصة، لكنّ توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ العام 2019 فتح مجالاً أوسع لأداء الحج بشكل أقل كلفة، لكن غير قانوني، لآلاف الأجانب.

شارك 1.8 مليون حاج في موسم الحج في عام 2023، بالإضافة إلى حوالي 100 ألف حاج غير نظامي، وفق ما أفاد مسؤول أمني سعودي فضل عدم ذكر اسمه. منذ نهاية الشهر الماضي، فرضت السلطات تصريحاً خاصاً للدخول إلى مكة المكرمة التي تضم الكعبة وصعيد عرفات حيث يؤدي المسلمون الركن الأعظم للحج.

لكن محمد، موظف حكومي متقاعد حضر إلى السعودية بتأشيرة زيارة لابنه المقيم في الرياض، دخل العاصمة قبل ذلك التاريخ بعدما اتفق مع وكيل سفر على تأمين مسكن له وإدخاله خلسة إلى عرفات مقابل 3500 ريال سعودي (933 دولاراً). يقول محمد، الذي فضل ذكر اسمه الأول فقط ويقيم في غرفة مع سبعة أشخاص آخرين، “أسعى للحج الرسمي في مصر منذ أكثر من 10 سنوات ولا يصيبني الحظ”.

تتوقف آمال المصريين بالحج على قرعة تجريها السلطات لاختيار الحجاج استناداً إلى برنامج حكومي يبدأ من 175 ألف جنيه مصري (3700 دولار)، فيما يكلف “الحج السياحي” مبالغ باهظة يقول محمد إنه “لا يستطيع تحملها”.

لا يستطيع محمد الخروج راهناً بشكل طبيعي في مكة خشية أن توقفه دوريات الأمن التي تقوم بفحص عشوائي لتصاريح الحجاج، وهو يعتمد في طعامه اليومي على أطعمة معلبة من الفول واللحوم المحفوظة جلبها معه من بلده. ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى الحجاج غير القانونيين، إذ لا تتوافر لهم مخيمات مكيفة، على غرار الحجاج النظاميين، في منى أو عرفات، ما يجعلهم يفترشون الطرق والمساجد في أجواء صحراوية شديدة الحرارة تصل هذا العام إلى 45 درجة مئوية.

لكن الرجل السبعيني الذي يعاني من مرض في القلب يؤكد، أنه “مستعد لكل مشقة. الجو حار. سأشرب الكثير من المياه. الأهم أن أؤدي الحج”.

يقول الشاب المصري أيمن، الذي أدى الحج بشكل غير قانوني العام الماضي مستفيداً من حيازته تأشيرة دخول سياحية، إن التجرية كانت “قاسية للغاية”. يتابع الموظف البالغ 37 عاماً والذي دخل مكة متسللاً في قطار “الأمر كان قاسياً للغاية. لا خدمات، لا أسرة، لا مكيفات، لا حمامات”. ويستذكر ضاحكاً كيف كان يركز على “الإفلات من عناصر الأمن عوضاً عن التركيز على الصلوات والابتهالات”.

تبعات “كارثية”

يعمل وكلاء سفر على إدخال آلاف الحجاج إلى عرفات مستفيدين من الازدحام الشديد وصعوبة التأكد من تصاريح جميع الذين يدخلون إلى الأماكن المقدسة في طوابير من الحافلات أو مشياً على الأقدام. ومنذ الشهر الماضي، أوقفت السلطات 20 شخصاً على الأقل، معظمهم مصريون، اتهمتهم بـ”النصب والاحتيال”، بحسب الإعلام الرسمي.

تعرضت سميرة، وهو اسم مستعار لمصرية ستينية، لعملية نصب أيضاً، فدفعت 120 ألف جنيه (2538 دولاراً) للحج بعد أن أوهمها وكيل بقدرته على تيسير ذلك بتأشيرة الزيارة التي حصلت عليها ومن دون ترخيص، لكن السلطات أوقفتها وأبعدتها عن مكة. وقالت لفرانس برس في اتصال هاتفي هامسة من حافلة للشرطة “داهمت الشرطة البناية وأوقفتنا جميعاً وستُرحّلنا”. خسرت بذلك المال وفرصة الحج معاً.

يقول وكيل سفر اشترط عدم كشف هويته “لا يزال هناك مليون طريقة لإدخال الحجاج المخالفين إلى عرفات”. يضيف “لدي 100 حافلة تدخل إلى عرفات هل يمكن تفتيشها كلها؟ مستحيل”. بمواجهة تلك الحيل، أطلقت السعودية حملة تحذر من “الحج دون تصريح”. وهي تفرض منذ سنوات غرامات تبدأ من 10 آلاف ريال (نحو 2600 دولار) على الحجاج المخالفين أو من يعمل على نقلهم إلى مكة.

ينتشر شعار “لا حج بدون تصريح” في وسائل الإعلام والمراكز التجارية والشوارع بلغات عدة. دخلت هيئة كبار العلماء الدينية على الخط، وأصدرت في أبريل الماضي فتوى مفادها أنه “لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح”، معتبرة أن هذا سيعد “إثماً”، ومشيرة إلى أنه يلحق الضرر “بعموم الحجاج”. حذر مسؤول في وزارة الحج والعمرة تحدث طالباً عدم كشف هويته من “التبعات الكارثية” للحج غير القانوني.

قال “مساحة مكة محدودة للغاية ووجود أعداد كبيرة بشكل غير قانوني يعيق تنظيم الحشود ومسار الحافلات وقد يتسبب في حوادث تدافع”.

تنظيم الحشود

على مر العقود، وقعت حوادث عدة خلال موسم الحج راح ضحيتها المئات بسبب تدافع خلال الرجم أو في الأماكن الضيقة. كان آخرها في العام 2015، حين تسبب تدافع أثناء شعائر رمي الجمرات في منى بوفاة نحو 2300 من الحجيج في أسوأ كارثة على الإطلاق في موسم الحج.

يعتبر الحج أحد أكبر التجمعات الدينية السنوية في العالم، وهو يشكل مصدر دخل رئيسي للمملكة. تقدر إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينية الأخرى على مدار العام بمليارات الدولارات سنوياً. تتخلله أحياناً عمليات احتيال، إذ يفاجأ الكثير من الحجاج الوافدين بتدني الخدمات المقدمة مقارنة بما وعدوا به.

يقول الخبير في الشؤون السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إن الحج غير القانوني “يكلف الحكومة من حيث الإيرادات”، ويعيق “الحصول على أقصى قدر من السيطرة على الحشود وحركاتهم وهوياتهم”. يرى أن الحملة الحالية لمكافحته “تتماشى مع النهج الشامل لتحديث وتنظيم جميع مجالات الحياة داخل المملكة”.

ذات صلة