شهد ملف الصحراء المغربية تحولات جذرية خلال 26 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس، نقلت القضية من منطق الدفاع إلى إستراتيجية المبادرة ، وجعلت من الأقاليم الجنوبية للمملكة منصات تنموية واستثمارية، ومراكز حيوية للربط الإقليمي والدولي، ومنذ إعتلاء العاهل المغربي العرش سنة 1999، تبنت المملكة مسارا جديدا يقوم على اقتراح حلول واقعية، وتعزيز الوجود الميداني، وقيادة دبلوماسية نشيطة مكنت من تحقيق اختراقات سياسية غير مسبوقة على الساحة الدولية.
التحول الكبير في تعاطي المغرب مع ملف الصحراء تمثل في تقديم مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007, كخيار سياسي واقعي ومتقدم لحل النزاع الإقليمي المفتعل وهي المبادرة التي لقيت دعما واسعا من قبل المجتمع الدولي إذ أيدتها أكثر من 110 دول في الأمم المتحدة وأعلنت قوى كبرى مثل الولايات المتحده الامريكيه وإسبانيا ، فرنسا، المانيا تأييدها الصريح لها.
العمل الميداني الموازي لهذا التوجه السياسي والدبلوماسي، تمثل في إطلاق مشاريع تنموية كبرى داخل الاقاليم الجنوبيه وتطوير القطاعات الطاقات المتجددة والفلاحة والصيد البحري مما اعطى لهذه الأقاليم بعدا وظيفيا واستراتيجيا وجعلها قاعدة للربط الإقتصادي مع القارة الإفريقية.
من الناحية السياسية ساهمت الدبلوماسية الملكية في كسر الجمود الذي عرفه مسلسل التسوية الأممي منذ فشل خطة التسوية الأممية 1359, سنة 2000 بدا منحى جديد للامم المتحده في التعاطي مع الملف يقوم على الطرح الواقعي و المتوافق علي، وهو ما تعزز لاحقا من خلال قرارات متتالية ابرزها القرار الأممي 1754, ثم القرار الاخير رقم 2703 والتي اكدت على ضرورة حل سياسي واقعي ومتوافق عليه، وأقرت دور الجزائر كطرف مباشر واساسي في النزاع.
تزايد عدد الدول التي فتحت قنصليات تمثيلية لها في مدينتي العيون والداخلية ليبلغ قرابة اربعين قنصلية عكس الزخم الدولي المتصاعد في الإعتراف بمغربية الصحراء وساهم في عزل الكيان الإنفصالي على الصعيدين الأممي والقاري،. هذا الزخم تعزز بإعلان عدد من الدول الاوروبية.
إفريقيا بدورها اصبحت فضاءا ميدانيا لتعزيز موقف المغرب، خاصة بعد عودته إلى الإتحاد الإفريقي سنة 2017، وتبنى القرار التاريخي 963 في قمة نواكشوط سنة 2018, الذي حصر صلاحية معالجة النزاع في الأمم المتحدة، وساهم في الحد من استغلال خصوم المغرب للمؤسسات الإفريقية في الترويج للإنفصال، وبفضل هذا التحول اصبح المغرب يلعب ادوارا مركزية داخل اجهزة الإتحاد لاسيما في مجلس السلم والأمن الإفريقي.
إلى جانب ذلك اطلقت المملكة مبادرات استراتيجية لتعزيز موقعها الإقليمي ابرزها المبادرة الملكية الأطلسية الموجهة لدول الساحل ومشروع انبوب الغاز نيجيريا-المغرب الذي يربط بين المملكة بعشرين دولة إفريقية. ويعزز من عمقها الجيوسياسي هذه المبادرات مكنت المغرب من تعزيز روابطه الإقتصادي والأمنية مع القارة.وتقويض هامش المناورة لدى الجزائر وجبهة البوليساريو وسط انسداد سياسي متزايد للمشروع الإنفصالي.
بعد اكثر من ربع قرن من الإصلاحات العميقة في مختلف المجالات يتأكد ان المغرب لم يكتف بتدبير نزاع إقليمي بل حوله ورش إستراتيجي متعدد الابعاد ينخرط فيه كل من الحسم الميداني والتحول الدبلوماسي.