حاوره: كمال العود
- لو تقدم نفسك للقارئ بكلمات قليلة، فيها من الشعرية والحميمية والتميز والتفرد، ماذا تقول؟
عبد الحنين برهي من مواليد المدينة المنسية (تارودانت). تاريخ الازدياد لا يهم كون الزمن يرسخ لأحكام مسبقة، ولانطباعات وهمية. أخذت نصيبا من الجرأة وحملت مرآة وقلم! أولا بيني وبين نفسي، ثم للآخر آملا في تواصل انساني بعيدا عن السخرية أو الندم، وفي سرد للواقع من حولي متجنبا السلبية والعدم. - أنت مقبل على إصدار جديد بخصوص المشاركة الثقافية، حدثنا قليلا عن هذا الموضوع؟
عندما نتحدث عن المشاركة بصفة عامة، فإننا نتحدث عن شق مهم من المواطنة، والذي يقتضي أولا توفر الفرص ثم مبدأ تكافؤها. هذا الموضوع يضعنا وجها لوجه أمام سؤال جوهري: هل يأخد منظمو الأنشطة الثقافية (دول، وزارات، جمعيات..) بعين الاعتبار التفاوتات الطبقية سواء المادية أو الفكرية بين الطبقات الاجتماعية حتى يتسنى للجميع الاستفادة والمشاركة بشكل متكافئ في الأنشطة الثقافية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان؟ - بعض البلدان العربية تبنى قاطرة الثقافة وتتخذ من الثقافة منهجا لها، ما تقييمك للمشروعات الثقافية المحلية والوطنية؟
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في اكتشاف مشروعات ثقافية في بلدان عربية متعددة وفي التعريف بها. كما خولت أيضا سهولة وإمكانية المشاركة الثقافية وكمثال على ذلك مشاركة الفنانة التشكيلية الصاعدة نهيلة الفاضلي في المعرض الدولي للفنون التشكيلية بالعراق، ومشاركتي أنا أيضا بمجموعتي القصصية “في الحافلة” بالمشروع الثقافي “النشر الحر” للكتاب الجدد لدار لوتس للنشر الحر بمصر. فعلا هناك مشروعات ثقافية متعددة وفي شتى المجالات لكن الدول والحكومات العربية لا تعتمد استراتيجيات بعيدة المدى وواضحة في المجال الثقافي من أجل احتضان هذه المشاريع. هذه المبادرات التي تتسم في الغالب بالفردية وبعدم الاستمرارية والديمومة، فبمجرد توقف الفرد المبادر يتوقف المشروع الثقافي. - في مجموعتك القصصية “في الحافلة” ركزت على هموم المجتمع المغربي والاشكاليات المتعلقة به، حدثنا عن المجموعة؟
“في الحافلة” عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة مرتبطة ببعضها البعض. تتكرر الشخصيات في كل القصص لكن من زوايا مختلفة. فالشخصية ترتدي ثوب البطل في القصة لكن تتخلى عنه لشخصية أخرى في القصة الموالية وتصبح معها شخصية ثانوية وهامشية. الغرض من هذه القصص هو تشبيه المجتمع بالحافلة، فكلاهما له مسار محدد وروتيني يدخل خلاله الفرد في السلبية والصمت فيكتفي بالمشاهدة. الحافلة مثلها مثل المجتمع، فخلال مسارها تمر بنفس المحطات دون تدخل الراكب. - ما أبرز القضايا التي تكلمت عنها في عملك؟
كل شخصية داخل المجموعة مرتبطة بقضية اجتماعية: - علاقة الشباب بولوج عالم الشغل
- الطلاق وتأثيره على الأسرة والأبناء
- الشطط في استعمال السلطة
- العدالة الاجتماعية
- المجتمع والانسلاخ عن القيم
- ما الشيء الذي يغير من كمياء القاص برهي ويمسك بيده ويدفعه للكتابة؟
ما يدفعني للكتابة والاستمرار فيها، أولا هو التفاعل مع القراء لأن فعل الكتابة وسيلة للتواصل والتفاعل فإذا كان التفاعل ايجابيا فذلك يدفعك للإستمرار في الكتابة. ثانيا ظهور مؤسسات تحتضن إبداعاتك وتتكلف بالنشر، كدور الطباعة التي تقدم تسهيلات في النشر. ثالثا نحن في حاجة ماسة لجيل يكتب. فكل من يملك الموهبة وأسلوبا لغويا سليما هو بالضرورة مطالب بالكتابة سواء على حائط وسائل التواصل الاجتماعي أو بشكل ورقي. - حدثنا عن البدايات والمؤثرات التي قادتك إلى مجال الكتابة والابداع؟
بالنسبة للبدايات الأولى فقد كنت أكتب لنفسي بمجلة سرية لا يطلع عليها سواي، انذاك كنت منعزلا بقمة جبلية بحكم مهنتي كمعلم، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي ومرحلة الانتقال من بيئة (المغرب) إلى بيئة أخرى (المهجر)، هذه المرحلة اعتبرت خلالها الفعل الكتابة كوسيلة علاج نفسي و كرد فعل تلقائي يسعى إلى عدم قطع صلة الوصل بيني وبين مجتمعي المغربي من خلال تدوينات وقصص، ثم بلورت فكرة النشر الورقي مستغلا تجاربي في الفن التشكيلي والموسيقي اللذان أثرا على أسلوبي التعبيري في كتاباتي. - أي من الكتابات أمسكت بيدك وقادتك الى تلك المهمة المتعبة، اعني ذلك الشيء المسمى ب”الكتابة”؟
بحكم ميولي لقراءة الأعمال الفلسفية والاجتماعية بلغات متعددة فقد تأثر أسلوبي بذلك وكذا طريقة تناولي للمواضيع، لذلك أحاول دوما معالجة قضايا واقعي بطريقة اجتماعية وفلسفية عميقة معتمدا على طرح أسئلة فلسفية تساعد القارئ في رؤية الظواهر الاجتماعية من زوايا مختلفة. - هل تعمل حاليا على نص أدبي جديد؟
حاليا أشتغل على نص أدبي -محاولة في الرواية- موضوعها أخد مني الكثير من الوقت بسبب اعتمادي على مقاربة فلسفية واجتماعية عميقة، هذا إلى جانب بنية الرواية المستلهمة من عمل فني لن أذكره الآن. - يقول غارسيا ماركيز في كتابه “غريق على أض صلبة”: (إن كتابة رواية هي مثل لصق قوالب الطوب، أما كتابة القصة فتشبه صب الخرسانة) أي سرد فيهما اقرب لقلمك؟
بالنسبة لي فلا يمكن المقارنة بين الرواية والقصة، لكن يمكن القول بأن الرواية تعتمد الأسلوب القصصي في حبكتها، فالرواية مجموعة من القصص، فالقصة أداة ووسيلة لبناء الرواية. - لكل كاتب بصمة خاصة فما الذي يميز برهي عن باقي أقرانه من المبدعين؟
بالنسبة لسؤالك عن بصمتي في المشهد الأدبي فأنا لازلت فبداية المشوار الإبداعي، لكن لا ضير في ذكر لمحة عن أسلوبي الذي تأثر بثقافات أخرى وقراءتها بلغاتها الأصلية، وبالتالي الإطلاع على مواضيع أخرى تتم معالجتها أو التطرق إليها بطرق مختلفة عن ثقافتنا، بالاضافة إلى شيء آخر (كما سبق) هو تأثير فنون أخرى على قلمي كالموسيقى والرسم. فكلاهما كان له تأثير كبير لأن فعل الكتابة يعتمد على تفعيل المخيلة التي هي عبارة عن صور والتي يرتكز عليها فعل الرسم، هذا الأخير يستند أيضا على أدق تفاصيل الصورة. أما الأثير الموسيقي فهو يكمن أحيانا في هندسة الجمل وفي استعمال القافية وتناغم الألفاظ. في الأخير يبقى كل كاتب متميزا على الأخرين وذلك راجع الى تجاربه الخاصة. فإن تطابق كاتبان فأحدهما ينسخ عمل الآخر. - ما الذي تمثله الجوائز بالنسبة للمبدع وهل هي مقياس نجاحه؟
الجوائز أمر ضروري لتحفيز المبدعين في شتى المجالات، لكن بالنسبة لي فالكاتب لا يجب أن يكون هدفه من العمل الحصول على جائزة، شخصيا لا يمكنني التفكير في الجائزة وأنا لم أبدأ في العمل الأدبي (مجرد وجهة نظر).