حوار مع القاص السعيد السخيري

0 minutes, 5 seconds Read

لو تقدم نفسك للقارئ بكلمات مركزة، ماذا تقول؟

ببساطة؛ السعيد السخيري من مواليد ضواحي مراكش سنة 1985، انقطعت عن الدراسة منذ السنة الثانية من التعليم الثانوي، ليدوم هذا الانقطاع تقريبا اثنتا عشرة سنة قبل العودة سنة 2015…، أنا إنسان بدوي محاط بعالم معقد ومركب أحاول فهمه، لذلك ألجأ إلى القراءة والكتابة.

2 – ما هي المنابع التي شكلت تجربتك الإبداعية؟

هذا سؤال يصعب أن نجيب عليه بشكل قاطع، فالكاتب، أيا كان، تكون لأعماله مصادر ومنابع يعرفها ويكون واعيا بها كل الوعي، كما تكون له مصادر لا تطفو على صفحة وعيه. فالإبداع كما أراه فعالية معقدة، تتداخل فيها أمور ثقافية خارجية وأخرى نفسية داخلية، وهذا التفاعل بين هذه الأمور هو ما يولد نصا ما بهذا الشكل أو ذاك أو بهذا المضمون أو ذاك.

كل ما يمكن أن أقوله بهذا الصدد؛ هو أن الواقع والحياة اليومية التي يشكل تراكمها التجربة الشخصية، هي المنبع الذي لا ينضب. أظن أن النصوص التي أكتبها هي محاولات لقول شيء ما عن هذا الواقع، أحيانا تصوره بشكل كاريكاتوري وأحيانا تحاول محاكاته. لنقل إنها تمثل الواقع بعد أن يتم استدخاله ليعود ويرشح على شكل نصوص قصصية.

3- لماذا اخترت القصة القصيرة، دون غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى، مع أن الريادة للرواية الآن؟ وهل تأثرت بمرجعية معينة في كتابة القصة؟

هل اخترت فعلا القصة القصيرة أم أنها اختارتني ؟ نعم أنا مولع بالقصة القصيرة، أحب فيها خفتها ورشاقتها وقدرتها على احتواء أجناس أدبية أخرى، وأتفق معك في كون الرواية تتصدر المشهد الأدبي اليوم، ولا أخفيك أنني كتبت عدة فصول في محاولة لبناء عمل روائي، لكن كلما عدت إلى تلك المحاولات بعين القارئ، أجد أنها لا ترقى لتوقعاتي.. وهذا هو المعيار الذي جعلني أكتفي بما – أظن أنني- أجيده إلى حد ما.

القصة القصيرة بالنسبة لي ملاذ، لكنها أيضا سجن، لذلك لا أظن أنني اخترت القصة القصيرة بل فرضت علي نفسها فرضا. لكن من يدري ربما أعود مرة أخرى لمحاولة اقتحام عوالم الرواية ذات يوم.

بخصوص الشق الثاني من سؤالك، المتعلق بالمرجعيات التي تأثرت بها في كتابة القصة، يمكن أن أجملها في اسمين اثنين؛ أحمد بوزفور وزكريا تامر. لكن يمكن أن أقول إن الكاتب يتأثر بكل ما يقرأه حتى وإن لم يكن واعيا بذلك، إلا أن هذا الثنائي كان تأثيره علي واضحا جدا، لدرجة أنني في فترة ما صرت أجهد نفسي كي أخرج من قبضة سحرهما.

4 – كيف تقيم المشهد الأدبي في المغرب؟ وماهي سبل تشجيع القراءة وتكريسها في المجتمع؟

لا أحد يمكنه أن ينكر أن الأدب المغربي ما فتئ يتطور ويصارع، وفي خضم هذا يقدم أسماء لامعة تبزغ عاما بعد عام، والدليل على ذلك الحضور الوازن للأعمال الأدبية المغربية في كبريات المسابقات الأدبية سواء في الرواية، المسرح، القصة، الشعر…

لكن من جهة أخرى؛ يجب أن لا ننسى أن هذه الأسماء، في غالب الأحيان، لا تدين بشيء للمؤسسات الوصية على هذا المجال، وأن أغلبهم قد بنى نفسه بنفسه، ولم يكن لأية مؤسسة يد في ذلك.

كل ما نرجوه، هو أن يتم الاهتمام أكثر بالطاقات الشابة، وإعطائها فرصة لكي تكشف عن إبداعها الكامن والمكبوت لغياب مثل هذه الفرص.

أما عن السبيل لتشجيع القراءة، فأظن أن ذلك يجب أن يتحقق أولا في المؤسسات التعليمية، باختيار المادة التي نقدمها لأبنائنا. صراحة، أحيانا، يشعر المرء بالأسى عندما يقارن القيمة الأدبية للنصوص في المقررات الدراسية القديمة، مع بعض النصوص في المقررات الجديدة. إننا أبعد ما نكون عن التربية الجمالية وتهذيب ذوق الأجيال الصاعدة.

بعد المؤسسات التعليمية يقع الباقي على الأسرة، وطبعا إذا عرفنا معدل القراءة السنوي في بلادنا تتضح الأمور جيدا. مع أنني متفائل بخصوص هذا الأمر قليلا، ففي السنوات الأخيرة يمكننا أن نرى استخدامات إيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال الكثير من المجموعات، إضافة إلى مجموعة من المشاريع الجريئة التي يقودها، غالبا، شباب من خلال جلسات مفتوحة للقراءة، كل هذا يزرع بذرة حب القراءة في صدور الناشئة ويمنحنا بعض الأمل في المستقبل القريب بإذن الله.

5 – حصلت على مجموعة من الجوائز أهمها: الرتبة الأولى لجائزة أحمد بوزفور للقصاصين الشباب سنة 2012 عن مجموعتك “نافذة الجنون”، والرتبة الأولى لجائزة القناة الثانية 2M في السنة نفسها عن مجموعتك “صهوة القصب”، ماذا يعني لك هذا الفوز بعد مرور قرابة 10 سنوات؟ وما الإضافة التي شكلتها الجائزة إلى تجربتك القصصية؟

بالنسبة لي، يعني الفوز بجائزة ما نوعا من الاعتراف. فمهما ادعينا أن الكاتب يكتب أولا وقبل كل شيء لنفسه، إلا أننا يجب أن لا ننسى أنه يكتب أيضا للآخر، بالتالي فهو يبحث عن نوع من الاعتراف، وهذه هي الإضافة التي أحسستها عند الفوز بجائزة نادي الهامش القصصي أو جائزة القناة الثانية، إنها إضافة معنوية، اعتبرتها برهانا على أنني أستطيع الإبداع في مجال القصة، خاصة وأنني طالما كنت –وما زلت إلى حد ما- أشك في القيمة الأدبية لما أكتبه.

يمكنني أن أقول إن الإضافة التي شكلتها الجائزة في تجربتي كانت ذات حدين، فهي من جهة رفعت من معنوياتي، لكن من جهة أخرى جعلتني أحاول تجاوز المستوى الذي كتبت به حتى تلك الفترة.

6 – إن الدارج في أوساطنا الثقافية هو مدح الجوائز الأدبية، وقلما ننتبه إلى عيوب هذه الجوائز وتأثيراتها السلبية على العملية الإبداعية. هل ترى أن الجوائز تنصف الإبداع المغربي؟

بالفعل قد تشكل الجائزة عائقا أحيانا، باعتبار أن الكاتب يحاول جاهدا أن يظفر بالجائزة، أي أنه يكتب تحت الطلب؛ أقصد أنه يختار المواضيع التي قد يكون لها قبول عند لجنة التحكيم، وربما يمارس على نفسه نوعا من الرقابة، كي لا يتجاوز الخطوط الحمراء الإديولوجية التي تتبناها هذه الدولة المنظمة للمسابقة أو تلك. هكذا يمكن أن يكون الجري خلف الجوائز قتلا للإبداع وحرية المبدع وتسييج هذا الفعل تبعا لإديولوجيا أو انتماء معين.

ولا أخفيك أنني عانيت – كما سبق وقلت- من (الأثار الجانبية) للجائزة، ليس لأنني أكتب من أجل جائزة ما، بل لأنني أشعر بالكثير من عدم الرضى على ما أكتبه، فصرت كمن يحاول القيام بالمستحيل لكي يكتب نصوصا أفضل، وكلما أنهيت نصا وجدته ضعيفا لأنني رفعت عاليا سقف توقعاتي.

7 – صدرت لك مجموعة قصصية بعنوان “صهوة القصب” سنة 2012، ما هي أبرز القضايا التي تناقشها المجموعة؟

في مجموعة “صهوة القصب” حاولت أن أتطرق إلى مجموعة من التيمات؛ كالحب، الخوف، السلطة والحلم…، لكن من الممكن أن نلخص قصص المجموعة في عبارة واحدة: هي خيبة الأمل، فكل نصوص المجموعة تتحدث عن أبطال منكسرين، مهمشين ممن قد نصادفهم في حياتنا اليومية دون أن ننتبه لوجودهم، لهذا جاء عنوان المجموعة “صهوة القصب” من المثل المغربي الدارج “لي شفتيه راكب على القصبة قل ليه مبروك العود”، تعبيرا عن الأحلام المجهضة والآمال الكاذبة !

8 – يشتكي المبدع من قصور المواكبة النقدية، هل أنصفك النقد؟

كما تعلم؛ المجموعة الأولى لم يتم نشرها، أما المجموعة الثانية “صهوة القصب” فإنها لم تتلق نجاحا كبيرا، ربما بسبب التوزيع أو بسبب أنني لا أجيد تسويق أعمالي، لأنني لا أظن أن هذا من اختصاصي.

بالفعل لم تتلقى قصصي مواكبة نقدية، لكن هذا لا يعني أنني أشتكي من انعدام هذه المواكبة، لأنني أعتبر أن عملي ينتهي بتقديم نصوصي للقارئ، ولست مسؤولا عما يحدث بعد ذلك.

9 – حصلت مؤخرا على شهادة الماستر في موضوع “نيتشه والأسطورة”، إلى أي مدى تحضر الفلسفة في قصصك؟

كل نص أدبي كيفما كان لا يخلو من بعد فلسفي، باعتبار أنه يقدم تصورا حول العالم، لذلك فالفلسفة حاضرة دوما في النصوص، غير أنني حين أكتب لا أحاول إقحام معارفي الفلسفية في نصوصي، اللهم إلا إذا حدث ذلك بطريقة عفوية، ما يهمني بالدرجة الأولى هو القصة، وليس استعراض معارفي أو الانتصار إلى تيار فلسفي على آخر.

10 – وأنت تبحث في مجال “الفلسفة”، هل ترى أنها تحظى بالاهتمام المطلوب من حيث التأليف بالمغرب؟ وهل تفكر في نشر بحثك “نيتشه والأسطورة” يوما؟

يمكن أن نقول إن الفلسفة في الفترة الأخيرة صارت أكثر حضورا من ذي قبل، وحظيت باهتمام أكثر سواء من ناحية القراءة أو التأليف، إلا أنه يبقى حضورا غير كاف، وهذا ما يمكن أن نلاحظه من خلال العناوين التي تصدر كل سنة، إذ نجد غيابا لمجموعة من المدارس والأسماء مما يخلق لدى القارئ باللغة العربية فقط بياضات، وهذا ما يحول بينه وبين تلك الرؤية البانورامية لتاريخ الفلسفة وتطورها.

أما بخصوص بحث الماستر الذي أنجزته، فجوابي هو نعم أفكر في نشره، لكن بعد العودة إليه بغية تجويده أكثر قبل تقديمه للقارئ.

11 – ما مشروعك الأدبي القادم؟

لدي مجموعة من المشاريع لكنني أحتفظ بها في ذهني فقط، أقصد أنني كاتب هاو ولست من المحترفين الذي يخططون لمشاريعهم بصرامة ودقة، فأنا لا أكتب باستمرار وبشكل يومي وفق طقوس معينة، بل أبقى منفتحا حتى أقبض على المشهد أو الاحساس أو الفكرة التي تنبثق عنها القصة. حاليا أعمل على مجموعة قصصية ولا أدري متى سأفرغ منها.

12 – ما رأيك في قولة: “الكتب سبيل بطيء لا ترودها الشهرة إلا في تمهل العظماء”؟

أتفق تماما مع القولة، ففي بعض الأحيان تكون بعض الأعمال كالبرق الذي يلمع لبرهة قصيرة قبل أن يختفي تماما، بينما أعمال أخرى تشع ببطء، لذلك لا يجب أن ننتظر دائما نتائج ما نكتبه بعد فترة قصيرة من نشره، كما لا يجب التسرع في النشر وأن نترك النصوص تختمر قبل أن نلقي بها إلى القارئ، وهذا أمر يصعب فعله في زمن السرعة، زمن ضغطة الزر التي عودتنا عليها التكنولوجيا.

13 – يلاحظ بأن هناك تزايدا في أعداد المؤلفين الشباب، وربما لا تتوفر مؤلفات بعضهم على معايير الجودة الأدبية المطلوبة. ما تعليقك؟

لا يخيفني التزايد المطرد للمؤلفين الشباب والمبتدئين وأنا واحد منهم، لأن القارئ والزمن كفيلان بتصفية الأعمال الجيدة من الزبد الذي سيذهب جفاء.

14 – كلمة أخيرة؟

ختاما أقول لمن يهوى الكتابة: لا تستسلم، قاتل من أجل حلمك !

 

ذات صلة