حوار أدبي مع محمد كروم

0 minutes, 8 seconds Read

1  من هو محمد كروم؟

سؤال تقليدي يشبه الزواج، كلاهما شر لابد منه. وأظن أن في أسئلة هذا الحوار وأجوبته ما يلقي بعض الضوء على المطلوب.

2  إن أردنا العودة بك إلى الوراء، ماذا يمكنك القول عن نشأتك وأيام الطفولة؟

النشأة وأيام الطفولة؟ من يستطيع التخلص من تأثيرهما الجميل؟ من يستطيع قطع حبلهما السري؟ كانت البدايات مع الأقران في أحضان البادية ( ضواحي مراكش). نفترش الأرض، ونلتحف السماء، نصغي لموسيقى الكائنات حينا، ولموسيقى الصمت حينا آخر. كنا نراقب مع الكبار تعاقب الفصول، ونحس فرحتهم حين تمطر السماء، وضيقهم ثم استسلامهم حين تصفو، ويطول شحها.

كنا نزاوج بين التعلم في المسجد والمدرسة، وممارسة بعض الأشغال الفلاحية كالري والرعي. في الطفولة كنت شاهدا على اختطاف الموت لصديقين: أحدهما خطفه الماء حين سال الوادي إثر عاصفة رعدية، وكنا حينها نرعى الأغنام، والثاني خطفته سيارة أجرة كبيرة حين كنا نراقب نزول أبيه من الحافلة يوم السوق، عله يأتيه بالدفاتر ليبدأ حياته الدراسية. خطفهما كما يخطف القحط الدواب.

من الأرض ونباتها كنا نصنع لعبنا، ولا نعول على أحد. كنا نبدع ونستمتع.

تلك المشاهد لم تغادر الذاكرة أبدا، ظلت ظلالها تحوم حولي، وتتسرب كالماء إلى بعض نصوصي.

3  يقول غارسيا ماركيز: أنا أكتب حتى يحبني الناس، وأكسب الكثبر من الأصدقاء. انطلاقا من هذا التصريح لماذا يكتب محمد كروم؟ ولمن؟

قبل النشر كنت أكتب  استجابة لرغبات داخلية، لكن بعد النشر، وبعد أن بدأ بعض القراء يقرأون ما كتبت  صار للقارئ اعتبار في تقديري. صرت أكتب لإشباع رغبات البعض، أو تأجيج أحقاد البعض، لأن ما يكتبه أي كان لا يحظى يرضى الجميع.

4  دشنت تجربتك في النشر بمجموعتك القصصية شجرة القهر” سنة 2008 كيف تنظر إلى هذه التجربة من حيث اللغة والأسلوب وبنية النص في ضوء ما وصلت إليه الآن من إنجازات إبداعية؟

“شجرة القهر ” باعتبارها التجربة الأولى، كانت مميزة وستبقى كذلك. الحديث عن خصائصها الفنية ربما من الأفيد أن يتحدث عنها غيري حتى تكون النظرة موضوعية. هي المولود البكر، مهما حملت من نواقص سأظل أنظر إليها بعين الارتياح. صحيح أن الكاتب يتوق دائما إلى كتابة نص مغاير، يتجاوز ما قبله، لكن صحيح أيضا أنها عبرت بصدق عن مرحلة معينة، امتزج فيها الواقع بالذاكرة،  وبلغة معينة لا تتردد في تسمية الأشياء بأسمائها وإن كانت أسماؤها جارحة أحيانا.

بفضل هذه المجموعة تعرفت على مبدعين وأصدقاء كثيرين، أعتز بصداقتهم.

5  بعد إصدارك القصصي اتجهت إلى الرواية بإصدار روايتك “بادية الرماد” حدثنا عن هذا الانتقال، وأين تجد نفسك أكثر في القصة أم الرواية؟

الانتقال من القصة القصيرة إلى الرواية كالانتقال من جزيرة صغيرة إلى جزيرة أكبر قليلا. جزر الإبداع أرخبيل متداخل. حين كتب رواية ” بادية الرماد” كنت بصدد كتابة مجموعة ” قريبا سأحبك” المنشورة لاحقا، فحدث أن قادني نص من نصوص هذه المجموعة إلى أغوار لا تستوعبها القصة القصيرة. ساعتها توقفت عن إتمام المجموعة وعكفت على كتابة “بادية الرماد”، ثم عدت لاحقا لإتمام المجموعة.

أما عن أين أجد نفسي؟ فأنا أجدها في الإبداع بغض النظر عن شكله. حين أكتب فقرة أو صفحة وأحس رعشة  خفية تهزني، وتدفعني لإعادة القراءة بنفس الاهتزاز الباطني، فثمة أجد نفسي.

6   في روايتك “سيدات المدينة” رصد للتحولات  الاجتماعية والسياسية الجذرية التي شهدتها المناطق الجبلية والمدينة النائية على مدى ردح  من الزمان، كيف جاءت الفكرة؟ وهل ترى أن الرواية هي المرآة الحقيقية للمجتمع لأنها تنقل الحياة العميقة للإنسان؟

“سيدات المدينة” رصد لجملة من التحولات الاجتماعية والجغرافية والسياسية التي عاشتها ( أو يحتمل أنها عاشتها ) بعض المناطق الحضرية والقروية، وفي الرواية مؤشرات عديدة لمن يريد تحديد أسماء هذه المناطق.

جاءت فكرة الكتابة عن هذه المناطق بعد أن حوصرت تارودانت أكثر من مرة  بفيضان وادي سوس، أذكر من ذلك حدثين:

الأول أشرت إليه في الأوراق التي نشرتها عن ” تارودانت كما عشتها ” ويتعلق الأمر بالحصار الذي منعنا من الذهاب إلى المعرض الدولي للكتاب في رحلة مدرسية بثانوية ابن سليمان الروداني؛

الثاني، في إحدى ليالي الحصار المضروب على المدينة جاءني ليلا خبر احتضار أمي ـ رحمة الله عليها ـ فكان علي أن أسافر لحظتها، وعلمت أن هناك مسلكا عبر قنطرة في أيت إعزة. عبرتها تحت جنح الظلام بقلب راجف خائف يكاد يطير من بين الضلوع.

لحظتها تبلورت لدي فكرة الكتابة عن هذا الوادي وما رافقه من مأساة آنية ومستقبلية أرخت بظلالها على ناس كثيرين. وكانت الرواية القالب الأنسب للتعبير عن ذلك.

7  وأنت تنتقل بين الكتابة القصصية والروائية ، كيف تنظر إلى هيمنة الرواية على الأجناس الأخرى؟ وهل مازال للقصة موقع ضمن خارطة الأدب؟

ربما يتفق الجميع على ملاحظة هذه الهيمنة، لكن تفسيرها العلمي يحتاج إلى دراسات مختصة. ولكن من باب الظن ـ غير الآثم ـ  يمكن القول، إن خصائص الرواية الفنية والموضوعية، هي ما يجعلها الجنس الأكثر مقروئية، زيادة على كون وسائل التواصل الحديثة ساهمت في ترويج كتاب معينين، ونصوص محددة. لكن المفارقة هي وجود تظاهرات قصصية أكثر من تلك التي تهتم بالرواية، مما ينبئ باستمرار جنس القصة القصيرة في الوجود والريادة، خاصة أن بعض كتابه ظلوا أوفياء له.

8  عملك في مدينة طاطا أسفر عن صدور كتاب ” الحياطة في الرحلة إلى طاطا” سنة 2020 حدثنا عن التجربة، وهل يمكننا توقع رحلات أخرى جديدة إلى مدن أخرى؟

السفر  إلى طاطا كالسفر إلى الروح، لا اعرف لماذا أحببت هذا المجال رغم حالة التهيب التي انتابتني في البداية. قبل أن أحط قدمي على هذه الأرض الطيبة راودتني فكرة الكتابة عنها، لذلك كنت أنظر إلى كل شيء نظرة خاصة. طغى على زياراتي لها طابع التأمل، والبحث عما يميز مشاهداتي الجغرافية والعمرانية والطبيعية والاجتماعية. وكان الجامع بين تلك المشاهدات هو الدهشة والحسرة، الدهشة من كنوز الإقليم، والحسرة على تجاهلها والتفريط فيها أو استنزافها. وكانت طبيعة عملي عنصرا مساعدا مكن من إغناء المشاهدات وتنوعها، كما كان أصدقائي الذين ذكرتهم في الكتاب خير عون على اكتشاف كثير من تلك الكنوز.

بعد الانتقال من طاطا شاهدت مناطق أخرى تستحق هي الأخرى طبعا التدوين.

9 بعد  صدور خمس إصدارات فردية، خضت تجربة التأليف المشترك مع الكاتب الشاب منير المنيري ” رسائل من زمان كورونا ” سنة 2020 ما وجوه الاختلاف بين التجربتين؟ وما صعوبات التاليف المشترك خاصة أنه يتعلق بفن الرسائل في عهد التكنولجيا؟

تجربة الكتابة المشتركة مع الصديق الأديب منير المنيري لها طعم خاص. هذه التجربة فرضتها ظروف الحجر الصحي في بداية انتشار كوفيد، وما رافق ذلك من اندهاش واستغراب وخوف ورجاء… كان لدينا فائض من الوقت، وفائض مضاعف من الضغط النفسي، فخضنا التجربة، وعملنا على نشرها على صفحات الفايس (كناش الوجوه كما يحب منير أن يقول ) وفوجئنا بتفاعل الأصدقاء والأعداء مع تلك الكتابة من خلال تعاليقهم ومشاركة نشرها على صفحاتهم الخاصة، فاستشعرنا ثقل المسؤولية. واحتراما لعقول القراء ومستواهم وأذواقهم اضررنا إلى بذل مجود كبير لتقديم مادة في المستوى المطلوب، خاصة أننا راهنا منذ البداية على الكتابة بلغة خاصة جدا، تستحضر فني الرسالة والمقامة المعروفين، وتبحث عن جديد الأخبار المتعلقة بالكوفيد. وحتى لا يتسرب الملل إلى نفوس القراء ألزمنا تلك الرسائل بتضمينها شيئا من السخرية والشعر.

لهذا يمكن القول إن ميلاد هذه التجربة كان أمام الملأ، وكثير من نصوصها تحكمت فيه رؤية الطرف الآخر أو اقتراحه، وأحيانا اقتراح القراء أنفسهم، بينما التجربة الكتابية الأخرى كانت تولد في صمت، وفي غرف مظلمة وخاصة جدا.

10  باعتبارك فاعلا جمعويا كيف ترى واقع المشهد الثقافي والأدبي بالمغرب عامة وبتارودانت خاصة؟ وما هي الصعوبات التي واجهت ملتقى تارودانت الوطني للقصة القصيرة منذ تأسيسه؟

يصعب الحديث عن واقع المشهد الثقافي في ظل غياب دراسة علمية مختصة، وما يقدم من أفكار في هذا السياق يبقى مجرد وجهات نظر. إذا نظرنا إلى هذا المشهد من حيث عدد الجمعيات والمهرجانات والمعارض، يمكن أن نقول إن الأمر يبشر بمشهد ثقافي مرض، لكن إذا نظرنا إليه من حيث حجم المنشورات التي تصدرها المطابع، وعدد النسخ التي يصدرها الكتاب ومحتوى المهرجانات… يمكن القول إن جوهر المشهد الثقافي مخالف لمظهره.

من تجليات هذا المشهد مسألة القراءة مثلا، فرغم حديث البعض عن انتشار القراءة عبر الحوامل الالكترونية، وإبداع طرق جديدة للقراءة، وظهور جمعيات تهتم بها، إلا أن بعض الدراسات العلمية تؤكد أن القراءة ليست بخير، ما دامت المدرسة لا تشجع أبدا عليها، وما دامت نسبة الأمية مرتفعة. هذا الكلام يقال عن المغرب كما يقال عن تارودانت ذاتها.

أهم الصعوبات التي واجهت ملتقى تارودانت الوطني للقصة القصيرة:

ـ صعوبات مادية تتعلق بشح الدعم؛

 ـ  تنظيم ملتقى وطني خاص بالقصة القصيرة جعل منه ملتقى نخبويا، ذلك أن قلة المختصين في القصة القصيرة أو المهتمين بها جعل جمهوره في محطات كثيرة دون الطموحات التي بنيناها؛

 ـ بعض المشاركين في الملتقى ـ وهم قلة ـ يغلبون في زياراتهم الطابع السياحي على الأدبي؛

 ـ  طبيعة الفنادق في المدينة وقلتها ضيقت فرص اختيار الأحسن للضيوف المشاركين…

11  ما هي أعمالك الإبداعية القادمة؟

أشتغل الآن على كتاب بعنوان ” تارودانت كما عشتها ” يمكن  ـ لي شخصيا على الأقل ـ تصنيفه ضمن كتابة السيرة: سيرة مدينة وسيرة كاتب.

12  كلمة أخيرة.

قم بواجبك ولا تنتظر مكافأة من أحد

ذات صلة