كمال العود
إن أهم مقومات القاص المبدع أنه يحتاج أولا إلى وعي معرفي اجتماعي واسع، الذي يغدي العقل وييسر فهم حقائق الحياة، والقدرة على الاستفادة من التجارب الذاتية والعامة، والسرد القصصي ألد أعدائه الإطناب والنحت في المفردات، في حين تتجلى جمالية القصة القصيرة في فكرتها العامة وقدرتها على سبر مكنونات التاريخ والثقافة والمجتمع، وقدرة القاص على إبداع لغة الحكي والسرد تضمن الدرامة الفنية والحكائية.
كما أن بعض التجارب الإبداعية لها سطوتها الفريدة على قارئها، إذ تجعله أسيرا لجمالها وجاذبيتها.
أمام عمل القاص المغربي حسن الباعقيلي “عائد من هناك”، فإن القارئ غير محمي من آثر هيمنة المجموعة، الغارقة في الحكي الواقعي (متاعب الزمن، أوجاع الواقع، القلق النفس، الذات والثقافة…)، مما يجعلك غير قادر على إكمال قراءة القصص على مرحلتين على الأقل، بل قراءتها في نفس اليوم لما فيها من سلاسة تأخدك إلى عالم الأحلام والمكان، والمتناقضات، فإذا أردت أن تتعرف على الإنسان البسيط ويومياته، والقرية وتقاليدها، والأحاسيس المتناقضة بين الفرح والحزن، ففي هذه المجموعة خريطة للسير في أغوار مكنونات النفس والمجتمع.
يمكن القول أنه من المجحف بحق القاص حسن ومجموعته “عائد من هناك” أن تقرأ كل قصة في أقل من الزمن الذي يتيح التماهي بمضامينها ولغتها وفضائها السردي، ويستوي في ذلك القراءة بمفهومها المباشر، أو القراءة النقدية، التي لا أزعم أنني أحاول مقاربتها لكنني أسجل انطباعي لعمل ورقي رائع. في هذه الورقة تعمدت عدم الخوض في تفاصيل كل قصة على حدة (زمنها، مكانها، شخصياتها، حدثها…) تاركا فرصة الإكتشاف للقارئ.
سطر صديقي حسن الباعقيلي لمواقفنا اليومية عبر شخصيات المجموعة، مما يستدعي منا مع نهاية كل قصة أن نتوقف لنستريح من لهاث السرد والوصف الدقيق لزمكان والمشاعر.
قصص “عائد من هناك” تحمل في طياتها رسائل من يوميات الإنسانية، ومن المواقف العابرة التي لا نأبه إليها كثيرا. مواقف تربط يومنا بغدنا، وجسدنا بفكرنا، وفرديتنا بمجتمعنا.
اذا انطلقنا من مقولة “الأدب لابد أن يقدم قيمة حقيقية للمجتمع” فإن القصة القصيرة جاءت كإستجابة للظروف الاجتماعية، والثقافية، والحياتية، وهو ما تنبه إليه القاص حسن الباعقيلي، فأخد يلامس المشكلات اليومية في حياتنا والتي تناولها في مجموعته القصصية، فأخد يعالج واقعا من خلال السرد عن طريق إيصال رسائل مرتبطة بالواقعية في المجتمع، والدرامية المتأزمة للإنسان المكابد في هذه الحياة.
ويذكر أن “عائد من هناك” أول عمل قصصي للكاتب حسن الباعقيلي، والصادر عن منشورات الراصد الوطني للنشر والقراءة 2020، وقد صدرت له أيضا رواية “عبلة لم تمت”.