مساءلة الذات وجمالية التعبير في ديوان “قبل النسيان بقليل” للشاعرة فاطمة فركال

0 minutes, 0 seconds Read

ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا، ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وجمعية. هو رؤية عميقة أداتها اللغة، وحصانها الخيال، تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل، معتمدة على المجاز والاستعارة وغيرها، وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة.

والشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى. يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه وحتى المتخيل.

منذ الكلمة النثرية التي جاءت تختال مطرزة بحرير الشعر ومشرقة بأضواء القصيد، ترفرف بجناحين من مجاز، وتنطق بلسان خيال، وتهيم في الذات المبدعة المتمردة، قالت فاطمة فركال عن قصائدها:” تنتظر لحظة الانعتاق لترفرف حرة طليقة، ولا تحط إلا قريبا ممن يرى حروفها بعين القلب، ويلامس معانيها بروح الحب..فهي نصوص تغزف من النبع الصافي ولا تصب إلا فيه..”.

تفاجئونا الشاعرة فاطمة فركال في ديوانها “قبل النسيان بقليل”، الصادر عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية 2022، منذ القصيدة الأولى بشلال متحدر من ينابيع الروح يتدفق منسابا من علو شاهق يطل على الكون والكائنات، تشهق بركانا يعانق الوجود بلا حمم حارقة، بل بردا وسلاما وتناسقا مع النفس، ومساءلة بريئة للذات وما حولها، فتبوح الذات بما يخالجها وتتماهى مع الزمان والمكان، وعلى إيقاع اللفظ الصريح الطليق والمبهم.

تهيم بين سطور “قبل النسيان بقليل” المقسمة على شكل لوحة بصرية تتسق مع ذات الشاعرة، التي تعتبر الكتابة والشعر بالنسبة لها “جرح نازف لا يمكن معالجته إلا بمزيد من الكتابة”، قالت في قصيدتها تراتيل منتصف الدهشة:
“تلك حروفي..
اهش بها على وجعي
ولي فيها مآرب أخرى..”
سطور تلتقط نبض الحياة، وتحاول الإمساك بلحظات فرح رغم لحظات وجع:
“أنا المسافرة في متاهات الوجود
وفي احتمالات القصيدة
انسج من دفء الأمكنة قصص حب
أهيم في فضاء الأبجدية
اقتفي أثر الحكايات..”

سطور تغوص في الحياة الصاخبة التي لا تهدأ لإعادة اكتشافها من جديد، مقسمة بين الطبيعة والمدنية، والحاضر والماضي، توقة لمستقبل مشرق ومتحررة من الذات كما في “مجاز:
حياة واحدة لا تكفيني
وهذا الجسد
ذو الحضور الجامد
يحبسني
ويقصيني
أريد أن أهجر ذاتي بعيدا
وأسافر بلا وزن
خفيفة
صوب الأشياء كلها
والأزمنة كلها…”
بين الحروف انتصار للمرأة القروية وقضاياها “امرأة الطين:
“اخبرني أيها الشاعر
ماذا تعرف عن امرأة الطين؟!
حتى تلقي عنها قصيدة
لتحتفل بيومها العالمي
العالمي…كلمة كبيرة جدا
لا تفهمها امرأة قروية
فعالمها لا يتجاوز جدلية
البيت والحقل…”.

اتسمت القصائد الأخيرة “خسارة مضاعفة”، “قلق”  ، مزادات فاسدة”، “في انتظار الشمس” بنزعة بوحية رؤوية تحلق في فضاءات متعددة ما بين تنائية الكلام والتمرد، معبرة عن أحاسيس الوجد والولع، ومعاناة الحالمين والعاشقين، والأوجاع والافراح.

مما يحسب للشاعرة فاطمة أن ديوانها سجل شامل لهواجس الذات وتقلباتها النفسية، فأبانت عن فلسفتها وعن نهجها الفني.

ذات صلة