1- من هي فاطمة فرݣال؟
فاطمة فرݣال، أستاذة تعليم ابتدائي، متزوجة وأم لطفلتين، أقيم حاليا بمدينة المضيق، حاصلة على الإجازة في الدراسات الإسلامية، شغوفة بكل ما له علاقة بالقراءة والكتابة، و تتويجا لهذا الشغف صدر لي مؤخرا ديوان شعري وسمته ب “قبل النسيان بقليل” ، ربما هو السبب في شرف أن أحضى بهذا الحوار الجميل معكم اليوم.فشكرا على هذه الالتفاتة الطيبة .
2- كيف بدأت علاقتك بالقراءة والكتابة؟
تجدر الإشارة أني أنحدر من منطقة جبلية نواحي مدينة وزان تدعى “مقريصات”، هناك حيث قضيت سنوات الطفولة، وكما تعرفون في البادية لم تكن توجد الكثير من أسباب الترفيه والتسلية خاصة للأطفال، مع الكثير من الهدوء والصمت، فلم أجد أمامي غير الكتب والقصص التي فتحت لي آفاقاً واسعة، وجعلتني أستكشف سحر الحكايات و متعة السفر عبر الزمان والمكان، فأنسجمت فيها وتغلغل هذا الشغف بداخلي وٱستطعت أن أملأ أوقات الفراغ، و أغادر النطاق المحدود حولي. وطبعا الكتابة بشكل عام تبدأ تقريبا مع الجميع في مرحلة المراهقة حيث يلجأ إليها الإنسان في محاولة لإيصال مشاعره إلى العالم، والتعبير عن مواقفه تجاه الاخرين.. فمن منا لم يمسك في ذاك الوقت ورقة وقلما ليصب سخطه، أو غضبه أو عشقه على الورق.. وقد استمرت معي عادة الكتابة منذ ذلك الحين حيث صارت ملاذا ومتنفسا وعالما خاصا ألجأ إليه كلما مسني فيض من المشاعر لسبب أو لآخر..
3- يقال إن “الشعر طاقة إبداعية تخييلية وجمالية” ماذا يمثل الشعر لفاطمة فركال؟
الشعر بالنسبة لفاطمة هو مصير، فلطالما كنت محكومة دوما بالرؤى الشّعرية، و بجمل وأفكار تضجُّ في رأسي.. حتى قبل أن أعرف أو أختار أن أكون شاعرة أو أن ما سأكتبه هو الشعر، وفي هذا السياق أستحضر مقولة لصديقتي الكاتبة الجزائرية “أمل بشيري” : (لا تتساءلي هل سأصبح يوما شاعرة حقيقية، فالإنسان إما يولد شاعرا أو لا. )
4- في سياق علاقتك بالشعر، من هم الشعراء الذين تأثرت بهم خلال بداياتك الأولى؟
بالطبع في بداية تعرفي على عوالم الأدب كان إعجابي كبيرا بالشعر العمودي القديم، وكنت أحب خاصة شعر المتنبي وابي العلاء المعري و زهير بن أبي سلمى و عنترة بن شداد.. ثم ولعت بشعر الإمام الشافعي لما فيه من الحكم، وقد كنت أحفظ قصائدهم والأبيات المأثورة لأستشهد بها في حديثي وأدونها في مذكراتي، ثم مع موجة الفن الجديد في التسعينات تعرفت على نزار قباني من خلال أغاني أصالة و ماجدة الرومي و كاظم الساهر .. فأعجبت بها وصرت أبحث في مكتبات المدرسة عن دواوين الشعراء المعاصرين امثال محمود درويش و بدر شاكر السياب ونازك الملائكة….
5- كيف تولد القصيدة عند فاطمة فركال، وهل هناك طقوس معينة قبل الولادة؟
أولا أنا لا أفتعل الكتابة، بمعني لا أجلس و أحضر نفسي لكتابة نص.. القصيدة في البداية تحضرني كفكرة تعبر الخاطر في موقف معين، عند قراءة نص في كتاب، عند سماع حوار عابر، عند مشاهدة فيلم، عند استحضار ذكرى سابقة….. هذه الفكرة تبدأ في التشكل في خاطري وخيالي وتبدأ في إزعاجي إن صح التعبير، قد أكتب شذرة و أنتظر أن تختمر الفكرة وأعود لأكملها وقد تأتي هكذا دفعة واحدة كزخة مطر… ويتلو الانتهاء من القصيدة دوما شعور بالاسترخاء والارتياح فقد صدق من سماها مخاضا..
6- صدر لك مؤخرا عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية مجموعة شعرية وسمتيها بـ “قبل النسيان بقليل”، هل يمكن أن تحديثنا عن هذه المجموعة؟
“قبل النسيان بقليل” هو محاولتي الشعرية الأولى، ديوان من القطع المتوسط في 112 صفحة، يضم 29 قصيدة تختلف مواضيعها وأغراضها. لوحة الغلاف من إبداع الفنان : محسن وداد، وقد أصدرتُ هذا الديوان بعد أن لاقت القصائد استحسانا كبيرا سواء من طرف الأصدقاء والصديقات، أو السادة الأساتذة والدكاترة الذين أشادوا بالتجربة وبالنصوص الشعرية و شجعوني على جمعها و نشرها، وقد لاقى الديوان بفضل الله استحسانا وقبولا واسعا.
7- يقول سيغموند فرويد: “نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة”. أين تكمن السعادة في قصائدك؟ وكيف تعبرين عنها؟
السعادة مفهوم نسبي ولا توجد حالة سعادة كاملة. كل ما يستطيعه الإنسان أن يراهن عليه هو أن يصل إلى حالة من السلام الداخلي التي تتحقق بتقبل الحزن واحتوائه قصد تجاوزه.. وقد لا أسعى دائما إلى البحث عن السعادة في قصائدي قد أقف وجها لوجه أمام الحزن، أمام البكاء، أمام الغضب، أمام الرحيل..السعادة عندي هي مواجهة هذه المشاعر واختراقها بتفكيكها في القصيدة، ثم التشجيع على التغلب عليها ببث بصيص أمل، شعلة، ومضة، جملة، فكرة دوما ما أختم بها القصيدة..
8- في نظرك أيهما أكثر تصويرا وأقوى تعبيرا؛ الشعر “الحر” أم “المقفى”؟
برأيي الخاص الأكثر تصويرا والأقوى تعبيرا هو من يتقن ويقول شعرا حقيقيا يلامس الشعور بصور قوية وبلغة سليمة ، و يكون متمكنا من مادته سواء كان “شعرا حرا” أم “شعرا مقفى”..
9- من خلال تتبعنا للمشهد الأدبي، نلاحظ أن الرواية صارت ديوان العرب الآن، في مقابل ذلك خبا موقع الشعر. ما رأيك في ذلك؟ وكيف ترين حال الشعر و والشعراء؟
رغم الإقبال الكبير على الرواية إلا انه لا يمكن الإنكار أنه لا زال هناك شعراء من الطراز العالي يكتبون و ينشرون رغم حالة الرُّكود الأدبي، وٱنصراف الجمهور المستهدَف الى ضوضاء الأصوات و بهرجة الأضواء التي تخطف الأبصار في مواقع التواصل الاجتماعي.. الشعر والشعراء بخير في المغرب من الناحية الإبداعية. ما يحتاج الى الٱهتمام فعلا هو سؤال: كيف نرتقي بجمهورٍ يُقبل على هذا الشعر،وعلى محافل الشعر؟ كيف نواجهُ هذه الهجمة الشرسة لتتفيه العقول ، ونزرع بذرة حب الأدب و الشعر في هذا الجيل الذي تترصَّده أنياب العولمة والرأسمالية التي تحرصُ الى تحويله الى مستهلكٍ فارغٍ الفكر، مستسلم لوهج الأضواء الخادعة. لكي تَنبت لنا مبدعات ومبدعين في المستقبل يحملون مشعل الأدب والفكر والشعر المغربي ، و الخلاصة برأيي أن الحاضر في شعره و روايته بخير، ما يقلقني فِعلا هو المستقبل.
10- بم تعللين عزوف القارئ عن أدبنا المحلي؟ وما سبيل حل هذه المشكلة؟
العزوف حاصل عن فعل القراءة بشكل عام، فلكَ أن تطلق النظر في التجمعات العمومية والمقاهي والحدائق والحافلات وصالات الانتظار لتدرك حجم ما نحن فيه من حالة عزوف كبير عن فعل القراءة، أما العزوف عن الأدب المحلي فقد أجيبك من خلال تجربتي المتواضعة كقارئة وأحيله إلى سببين:
أولا : النقص على مستوى الاهتمام الاعلامي والترويج للكتاب المغربي والاهتمام بالكتَّاب وبما يكتبون من خلال تكثيف تنظيم الندوات والقراءات والاقتراب من القراء بانفتاح الكُتّاب على المدارس والجامعات والثانويات ودور الشباب. وكذلك قلة الاقبال على الترجمة للإبدعات المحلية وذلك لما للترجمة من دور في إطلاق الكتاب نحو العالم ليجد طريقه في ثقافات أخرى، و مجتمعات أخرى قد تتقبله و يجد صدى فيها أكثر من بيئته المحلية خاصة إن حظيَ المؤلَّف بمترجِم جيد ولنا في رواية “الخبز الحافي” لشكري خير دليل ، فلو لم يترجم هذا المؤلف لما وصل الى ما وصل اليه من الشهرة والعالمية.
ثانيا : غالبا عندما يبدأ القارئ تجربته القرائية بالأدب العالمي الذي تكون ترجمته جيدة، فإنه يكوِّن ذوقا رفيعا وتوجها نوعيا في انتظاراته من الرواية.. وعندما يقبل على قراءة رواية محلية مثلا فإن المقارنة لا تكون في صالح هذه الأخيرة لأسباب لا يتسع المقام لشرحها هنا. كما انه لا يمكن الانكار ان هناك كتابا مغاربة أعطوا للرواية المغربية بهاء و رونقا، كطارق بكاري وعبد الكريم الجويطي و حسن اوريد و غيرهم…
11- تم الاحتفاء مؤخرا بديوانك الشعري في جلسة نقدية، ماذا يمثل لك هذا الاحتفاء، وهل ترين أنه ضروري لإشعاع تجربتك الأولى؟
سبق وأن قلت ذات تعليق على تلك الأمسية أنني شعرت كأني امسك حلمي بيدي، كانت أمسية باذخة أشرفت عليها الجمعية المتوسطية للثقافة والفنون مشكورة في دار الثقافة بالمضيق، وشاركت فيها نخبة أكاديمة وازنة أعتز بدعمها و قراءاتها الفاحصة لديواني، أمثال الدكتور سعيد يفلح العمراني المتخصص في الشعر النسائي المغربي والذي تولى أيضا كتابة تقديم للديوان الذي شجعني منذ بداية تعرفه على نصوصي على جمعه وتقديمه له قصد المراجعة ، والدكتور محمد الفهري المحقق والعروضي والناقد الحصيف، و الدكتور مزوار الإديسي الناقد والمترجم والشاعر أيضا، وقد تولت تسيير الجلسة الدكتورة سعاد الناصر منسقة ماستر الكتابة النسائية و فرقة البحث في الإبداع النسائي لكلية الادب والعلوم الانسانية بتطوان، وكذلك أضفت المرافقة الموسيقية للمايسترو “أحمد احبصاين” الذي قام بتحويل بعض القصائد إلى مقطوعات موسيقية إضافةً متفرّدةً للديوان، وبالطبع أي تجربة أدبية تحتاج إلى الدراسة والنقد لأسباب عديدة أولها التعريف بالمنجز ،ثم تدعيم المسار الأدبي بمجموعة الملاحظات والتصويبات التي يقدمها النقاد في العمل الأدبي.. أما هل كان ضروريا فأعتقد ان ضرورته بالنسبة لي تجلت فيما ترك في نفسي من أثر إيجابي لتقوية الثقة بما كتبت وما قدمت، خصوصا وأني أراهن أن أقدم منتوجا يشكل إضافة جيدة للمشهد الثقافي وهذا ما يجعلني أحرص على سؤال الجودة ما أكتب..
12- في نظرك ما فائدة الجوائز الأدبية؟ وماذا تضيف للشعر والشعراء؟
الجوائز الأدبية بمفهومها الحقيقي والنزيه هي دافع كبير لتجويد الشعر ومنحه الأهمية والمكانة العالية. لأن الحماس والتنافس الشريف لا يمكن الا ان يصب في صالح الشعر والشعراء، لكن حين تصبح الجوائز تسويقية او إشهارية أو حتى سياسية، فإن الشعر أو الرواية او الكتاب يفقد تلك المصداقية التي تمنحه قيمته الاعتبارية في المشهد الادبي.. والدليل أننا كلنا نتابع الجوائز الأدبية لكننا فقدنا الثقة غالبا في أن الكتاب الفائز هو الأفضل ..
13- بعد “قبل النسيان بقليل”، هل من مشاريع أدبية؟
الشاعر محكوم بالقصيدة، هي قدَره و ملاذه، والكتابةُ -كما ذكرتُ في كلمة تقديم بالديوان- : “جرحٌ نازف لا يمكنُ معالجتهُ إلا بمزيد من الكتابة…” ولكن أمر تحويلها إلى مشروع يجعلها ملتزمة بزمن معين وهذا ما ينافي خصوصية الشعر كونه شعورا وفيضا لا يمكن افتعاله إن أردنا له أن يكون حقيقيا، وبالتالي فإن الشعر موجود .. و ديوان آخر قادم لا محالة.. كل ما أتمناه هو أن أظل دوما عند حسن ظن القارئ المهتم بما أكتب وأقدم.
14- كلمة أخيرة
أود التقدم بالشكر والامتنان لكل من شجعني و دعمني لأمضي قدُما في هذا الشغف، وخالص المحبة للجمهور الأدبي الذي تقبل بمحبَّة الشعر ما أكتب من نصوص ..
أما أنا فسأظل ألبِّي نداء الشعر ما استطعتُ إليه سبيلا.. دوما بما يَحمل الشعر من صفاءٌ وصدقٍ و محبة للجميع.