يحتشد في ذاكرة القاص كثير من الحكايات المحملة بالحزن والوجع والفرح والحلم…يعيش عند البداية في تحويلها إلى عمل سردي، يتمدد على الأوراق بمشاعر مختلطة ما بين الحزن والفرح، الحلم والواقع، المثالية والفساد، وتتناوش معه الشخصيات التي يصنعها لتقوم بالأحداث التي تدور حولها القصة.
يلتقط القاص القصص من أفواه الناس، ومن الواقع، وترتحل الذاكرة لتعيش في الماضي وتنقله لنا كأنه فيلم سينمائي قصير يعرض أمام أعيننا.
العمل الذي يقوم به القاص، من خلال الكتابة السردية القصيرة، عمل مضن ويحتاج إلى جهد كبير، لأنه يحمل في طياته كماً كبيرا من هواجس الذات الانسانية وتنوع المشاعر بين الحسرة والفرح، وذلك يحدث من خلال تطويع اللغة لتخدم هذا العمل الذي تنمو الشخصيات فيه وتتوالد، وتبقى حية في ذاكرة القارئ زمنا طويلا.
مجموعة “صهوة القصب” القصصية للقاص السعيد السخيري، الحائزة على جائزة القناة الثانية 2M ، في أغلبها قصص قصيرة لا تتجاوز ثلاثة صفحات، يظهر فيها امتلاك القاص حسا رفيعا باللغة وجماليات ألفاظها، ويرسم بها المشاعر والمشاهد بطريقة تشد القارئ، تنساب بهدوء محسوب، وسلاسة محفزة، وأسلوب عفوي من السهل الممتنع والممتع في آن واحد، كما جاء على لسان راوي قصة “شطحات” :”إنها طريقة جديدة..الكتابة الرمزية..ألا تعرفها” ص 19.
في اختيار العناوين، انحازت المجموعة إلى نمط العنوان المكون من كلمة واحدة بإستثناء قصتي “الفارس والأميرة” و “أنا، صديقي، والأسد”.
تميزت النصوص بالتنوع الصوت السردي بين ضمير الغائب وضمير المتكلم، وكانت الغلبة لضمير المتكلم.
هناك تنوع ملحوظ في أسلوب السرد الذي تراوح بين العفوية، الرومانسية، التكثيف، والغموض، بالإضافة إلى الفنتازيا. نجد الرومانسية والشاعرية حاضرة بقوة في نص “هواء”: “في أحد الأيام افترقنا. كانت تبكي في صمت بين ذراعي. وجهها مدفون في صدري، ولهب زفراتها يخترق أضلعي ليستقر في قلبي” ص 3، “لم أخبرها أنني انتظرها عشر سنوات” ص 3.
كما حضر الهم الانساني في بعض النصوص مثل نص “أنا، صديقي، والأسد” “الحال” “وجبة” “الطريق”.
الغالب في نصوص المجموعة هو الاشتغال على الهم الذاتي والجمعي، حيت تضمنت النصوص موضوعات تدور حول الحلم، الفقر، الفساد، الطبقية، السلطة المفرطة…في نص “أنا، صديقي، والأسد: “وجد صديقي نفسه في حديقة حيوانات بدل المستشفى” كدليل قاطع على استعمال السلطة المفرطة في المجتمع المغربي الذي تضيع فيه الحقوق. ونقرأ تعابير الطبقية والتفاوت الإجتماعي مثل: “يلبسون كوستيمات وربطات أعنق بألوان الطيف، يبصقون على الحشرات النائمة على الرصيف”.
نستطيع أن نصف نصوص المجموعة بأنها واقعية ومؤكدة على صعوبة الحياة.
نرى شخصيات القصص تواجه تحديات الحياة الواقعية مثل الفقر، الجوع، الخوف، الخيانة، شطط في استعمال السلطة.
القصة القصيرة تبرز بقصرها كميزة جمالية كما هو حال “صهوة القصب”، وتعوض عن ذلك بجذب القارئ واشراكه في تشكيل دلالات النص ومعانيه وملأ فراغاته، وبهذا يكون النص ممتد المعنى.