حوار مع الروائي والقاص كريم بلاد

0 minutes, 3 seconds Read
  1. من هو كريم بلاد؟

كريم بلاد قاص وروائي من مواليد مدينة أزيلال عام 1977، مجاز في الأدب العربي من جامعتي الحسن الثاني بالبيضاء وابن زهر بأكادير، مفتش تربوي بمديرية أكادير. 

  • كيف جئت إلى عالم الكتابة؟ وما هي العوامل التي أسهمت في بناء إنتاجاتك الأدبية الأولى؟

لا سبيل إلى الكتابة إلا من القراءة، من هنا جئت، ولم أكن لآتي لولا أن دفعتني مشاغل فكرية، واهتامات معرفية، روضها الدرس الجامعي، وتوج تلك القراءات. كانت القراءة سبيلا إلى معرفة الآخر، وعيش أكثر من حياة تمثلا لقولة القعاد، القراءة تمنحنا أكثر من حياة. وتلك هي الطريق، ومن سار على الدرب وصل، بالرغم من أن الوجهة لم تكن واضحة، لم تكن هي تملُّك زمام الكتابة، كانت بحثا عن أفق أرحب في الحياة، عن كشف عجائب الكتب، وتقليب عقول العلماء والمبدعين لمعرفة نمط تفكيرهم، وتقدير مواهبهم…

  • باعتبارك مبدعا له حضور في المشهد الثقافي، كيف تنظر إلى الحركة الثقافية والأدبية بالمغرب؟

في الغالب، لا يروق لي تقييم المشهد الثقافي في المغرب أو في غيره من البلدان العربية. ربما لست جديرا بذلك، لأنه لكي تقيم المشهد ينبغي أولا أن تكون مواكبا له، قادرا على مشاهدته من أعلى، ومن كافة الزوايا، وبرؤية واضحة، وإلا فإنك ستنقل الصورة مشوهة، أو ستقدمها بخلاف ما هي عليه في الواقع. وهذا لعمري تجنّ على الثقافة وأهلها.

كم أقرأ من إصدار؟ وكم أعرف من كتاب؟ وكم أواكب من موقع، وكم أعاين من أخبار ثقافية؟ نزر قليل جدا، بالنظر إلى تطور الإنتاج الثقافي من جهة، ومن جهة أخرى عدم الإخلاص للمواكبة الثقافية طيلة اليوم، لأن هناك مشاغل كثيرة، تأخذني إلى أنحاء بعيدة من مساحة الحياة. الأفضل أن أقول إنّ المشهد الثقافي يعد بالكثير.

  • جميع إصداراتك الأدبية أنجزت وأنت بين أحضان تارودانت، ما هو دور المكان في أعمالك الروائية والقصصية؟

سؤال هام، الفضاءات لها سحرها في حمل الكاتب على الإبداع، قرأت مؤخرا بعض النتف من هذا، كُتَّاب كتبوا في أماكن غريبة جدا، مقابر، غرف ضيقة، زنزانات، حدائق، مقاهٍ، قطارات… ليس غريبا أن تكون للفضاء سطوته التي يمارسها على المبدع، هناك أسماء ارتبط إبداعها بمدن محددة. هذا يعني أن الإبداع أيضا مسكون بالفضاء، ولكنه في كل مرة يخونه، أقصد أن الفضاء بالرغم من تأثيره في المبدع والإبداع على حد سواء، فهو لا يكون مختارا لتجري فيه أحداث قصة ما، لأن لذلك منطقا آخرَ.

أغلب الأعمال التي أنجزتها كتبتها بتارودانت، المدينة الساحرة التي لا يمكن أن تلهم غير الحب، والحنين، والتمسك بالحياة. ولكني بالرغم من ذلك لا أدري هل هي عامل في إنجاز تلك الأعمال أم لا، لو كنت بمدينة أخرى هل كانت تلك الأعمال لتنجز بالطريقة نفسها؟ سؤال صعب.

  • منذ صدور روايتك “أوان الحب.. أوان الحرب” 2014، وصولا إلى “طفل المزار” 2020؛ ثمة متغيرات وتحولات حدثت. صف لنا رحلتك مع عالم الرواية؟ وهل أنت راض عن إنجازاتك خاصة وأن الرواية تتربع الآن على عرش الأدب؟

هي رحلة حقا، بدأت برواية “أوان الحب.. أوان الحرب” / 2014، مرورا برواية “غواية السواد” /2016، ثم رواية “طفل المزار” / 2020، والرحلة كما هو معلوم تفترض نقطة انطلاق ونقطة وصول وطريقا وزادا.. والرواية أكبر جنس يحتاج إلى كل ما ذكرت. لا يمكن للرحلة أن تكون ما لم تتوفر لها شروطها، ولعل أبرزها الإصرار على المضي قدما، لأن هناك وجهة، كما أن هناك أسطرلاب، بمعنى هناك ما يدعم الكاتب في رحلة الكتابة، القراءة، والتمرس بالكتابة، والتمرن على تقنياتها، والتجريب المستمر للتغيير، وتفادي التقليد، وعدم المقارنة بين الذات المبدعة بتارودانت وذات أخرى بمشارق الأرض أو مغاربها، فلكل رحلته وزاده ووجهته، وكلها رحلات، متى توافرت لها شروطها، فستتحقق، والنصيحة الوحيدة التي يلزم أن ألتزم بها، أن أتجاهل متتبعي الرحلة ومقيّمي محطاتها، فالمكان الذي أراه مناسبا لأستريح، يراه غيري غير مناسب للوقوف. أريد أن أقول إن رحلة الكتابة رهينة إلى ملكات الكاتب وقدراته الشخصية لا إلى واقع الكتابة وطلبات الناشرين.

بين العام 2014، و2020 سبع سنوات، أعتقد أنها كفيلة بأن تتغير فيها أشياء كثيرة، حتى الكتابة على فترات تخضع لتلك التغيرات، شيء طبيعي، فالأدب نتاج بيئة الأديب، ورهين الظروف التي تحيط به. ولكن هذه النصوص يستجيب ظهورها لدوافع نفسية كما في “أوان الحب..”، ولأخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية كما في “غواية السواد” ولأخرى عقلية باطنية كما في “طفل المزار”، كل عمل أدبي وواقعه الخاص، ومحورها جميعا الكاتب نفسه.

لو رضيت عما كتبت لتوقفت عن الكتابة، ولاكتفيت بلذة الرضا عاما بعد آخر. الكتابة نوع من الإدمان على مخدر لا يرى بالعين المجردة، متى استهوتك الكتابة فأنت حتما مفقود حتى إشعار آخر. الكاتب لا يرضى بما يكتب ولا يكتفي به. كلما كتب نصا، تطلع إلى نص أكبر وأنجح وآكد حضورا، وكلما أنهى نصا فأصدره، آنس في نفسه القدرة على كتابة نص جديد، والإجابة فيه عن أسئلة أخرى تركها النص السابق فارغة. إن الكتابة مسلسل لا ينتهي، تغذيه القراءة باستمرار، ويغذيه الطموح الذي يتلبس المبدع فيصر على الخلق من جديد.

  • ما هي القضية الأساس التي تنطلق منها رواياتك الثلاث “أوان الحب.. أوان الحرب” و”غواية السواد” و”طفل المزار”؟ وما الرسالة التي ترغب في إيصالها إلى القارئ؟

رواياتي الثلاث تدور حول قضية واحدة “الوطن“، ولكنها في صيغ ثلاث مختلفة؛ ففي “أوان الحب.. أوان الحرب” عملت على إبراز تعلق الإنسان الأمازيغي بالأرض، أرض الأجداد التي يأبى أن يتركها لقمة سائغة للعدو. وأظهرت الرواية هذا التعلق من خلال شخصيات كثيرة في القصة: واحليم، بناصر، تيتريت، توناروز… ومواقفها في حواراتها ورؤيتها إلى العالم. مثال ذلك قول واحليم لتوناروز: “أنت والأرض سيان، بل أنت الأرض كلها يا توناروز، الماء أنت والنبع لك دفق، والتين والزيتون شموخهما فيك، أنت الزرع والضرع، يكتمل بهما البهاء، والليل والنهار يتزاوجان في عينيك، أنت منفاي الذي أستعذب جحيمه، وأستلطف لفح لهيبه، أنت الموت والحياة…” ص.61.

وفي روايتي الثانية، اشتغلت على الوطن أيضا، وتخذت الهجرة تعلة من أجل ذلك، أريد أن نقتفي أثر امباي المهاجر الإفريقي الذي وجد الحب والمال بين يدي حجيبة المالكي الثرية، ومع ذلك لم يستسلم لها، لقد عمل على الرجوع إلى حبه الإفريقي الأول سامنتا، وحملها معه إلى الوطن / السينغال دون أن يترك المال. كل ما في الرواية يتغنى بالوطن، حتى العجوز التي لا تملك من أمرها شيئا، كانت مصرة أن تنصح الغريب بلزوم الوطن وعدم خيانته. “إذا أحب الرجل وطنه لم يغادره، من يتركون أوطانهم كمن يتركون نساءهم”.

وفي روايتي “طفل المزار”، صورت الوطن صغيرا، في حجم طفل لم يتجاوز ثمانية أعوام، وهو الذي حدثنا عنه من خلال علاقته بأمه القاسية، ومنية التي جاءت من فرنسا، طفلته التي أحبها إيمانا منه أنها ستخرجه من الوطن الصغير إلى وطن أرحب وأوسع، لا أم فيه ولا قسوة ولا عذاب. لكنه كان واهما. لأن الوطن لا يعوض، تلك هي الحكاية، سيعود ليكتشف الحقيقة حقيقة أمه وعلاقته بها بعد وفاتها. ويقينا سيقبل بالوطن كما هو، دون أن يحلم من جديد بالرحيل عنه.

بناء على ذلك، ليس هناك رسالة أرغب في تبليغها إلى القارئ، لست رسولا، أنا مجرد كاتب، يهمني أن يقرأ القارئ ويستمد وجوده الجديد من أعمالي، أريده أن يقرأني، لا أن يقوّلني ما لم أقله. تلك معضلة.

  • يقال إن الكثير من تفاصيل حياة الكاتب وعلاقاته، تتوزع على شخصيات رواياته بدرجة كبيرة، فهل ينطبق هذا على تجربتك؟

مطلقاـ تلك إشاعة أدبية، يتبناها القارئ الذي لا يقدر على فهم العمل الأدبي، وتأويله، والنفاذ إلى مكنونه. الإسقاط عملية تنم عن التخلف الذهني، ولا تترجم قدرة القارئ على احترام ميثاق القراءة الذي يربطه بالكاتب أيّا كان. هناك مسافة بين الكاتب وأعماله، وشخوصه بالأحرى، وتلك المسافة تنآى كلما كان قادرا على التخلص من ذاته، والنظر إلى تلك الشخوص وهي تنمو بين يديه، وتكبر، وتتحول، وتثور عليه، وربما تقتله. الذي يجب البحث عنه في أعمال الكاتب “الشخصية الأسطورية” التي قال بها الناقد النفسي جون بيلامين نويل.

  • تجمع بين النقد والرواية والقصة، كيف تدبر الصراع؟ ولمن الكلمة العليا داخلك، هل للناقد أم القاص أم الروائي؟

تجربة النقد عندي ما زالت في بدايتها، أصدرت كتابا وحيدا حتى الآن هو “الخيط والإبرة: دراسات في الإبداع المغربي المعاصر”، ولكنها تجربة رائعة، تستحق المتابعة، لأن الإبداع في حاجة إلى نقد يواكبه مواكبة حقيقية، لا مجاملة فيها، ولا انتصار إلا لسلطان الإبداع وحده. وأصدقك القول، ليس ثمة صراع، بل تكامل. بين النقد والإبداع خط رفيع، يجب أن ننتبه إليه. المبدع ناقد متخفّ، والناقد مبدع تنقصه الشجاعة لكي يقتحم الإبداع، وفي كل خير.

  • في أوج إنجازاتك الروائية، تفوز مجموعتك القصصية “اليد اللطيفة” بجائزة “رونق” للقصة سنة 2019، ماذا يعني لك هذا الفوز؟ وما تأثيره في مسيرتك الإبداعية؟

رمزيا، يعني لي الشيء الكثير، أن تفوز بجائزة أدبية فهذا غاية كل مبدع، الجائزة اعتراف بالتميز، وهي أيضا نافذة تفتح وجه المبدع على عالم جديد من القراء، في أماكن أخرى من العالم. “جائزة رونق” بالنسبة إلي حافز على الإبداع من جديد. صحيح أن “اليد اللطيفة” هي المجموعة الوحيدة التي صدرت لي لحد الآن، ولكنها قمنة بالاهتمام مواضيعَ وتقنياتٍ. أفدت كثيرا من قراءاتي المتكررة للقصة القصيرة المغربية والعالمية، وسعيت جهدي أن أبدو مميزا في حلتي الخاصة بي، دون أن أرتدي لباس غيري، لا أحب أشياء لا تخصني. في هذه النقطة أنا أناني.

  1. 10-            بعد صدور “اليد اللطيفة” ما هو جديد مشاريعك الأدبية؟

كثيرة، ولكنها تبقى سرا ما دامت لم تعرف طريقها إلى النشر، ولكل حكاية أوانها. لا داعي للعجلة فهي من شيطان الأدب. وفي التأني سلامتنا جميعا من استسهال الكتابة والإبداع بها.

  1. كلمة أخيرة…

كريم بلاد مطمئن إلى قرائه الأعزاء حيثما كانوا، وهو يصر على إمتعاهم في حياة الأدب، حتى لو كان ذلك مغلفا في القسوة وقوة الكلمات [طفل المزار]. نحتاج في بعض الأحيان أن نكون عراة…[غواية السواد]، ليبصرنا الآخرون على حقيقتنا.

ذات صلة